أنا من قوم ولدوا وفي أفواههم ملاعق من الشجب والاستنكار. يعالجون مشاكلهم بالشجب، ولا يفعلون ما يمنع وقوعها. ويتصدون لنوائبهم بالاستنكار، وإن تكررت كرروا معها استنكارهم، والعين بالعين، والسن بالسن.
والله يذكره بالخير طبيب “العيادة” في الكلية العسكرية في مصر. هي لم تكن عيادة، ولا حتى من فصيلة العيادات، كانت غرفة معتمة، فيها طاولة عليها نوعان من الأدوية؛ بانادول ومرهم، وكان الله غفوراً رحيماً. ولن يفلت مرض من هذين العلاجين السحريين.
سعال (كحة)؟ خذ “بانادول”… وقعت في التدريب وأصبت برضوض؟ المرهم موجود يا حبيبي… قولون؟ بانادول… ألم في الضرس؟ بانادول… التواء في الكاحل؟ مرهم… اللي بعده…
ذهب إليه طالب سوداني يشكو مما يظن أنه بواسير، فصرف له “بانادول”، فزاره بعد فترة ليبلغه بنزيف الدم، فصرف له المرهم… لن يفلت المرض من أيدي ذلك الطبيب الفطحل. وكانت قمة عبقرياته وتجلياته، عندما يرتطم أحدنا بالأرض، أثناء التدريب، فيصاب بجروح وكدمات وآلام في الصدر، مثلاً، أو البطن. هنا تتفتق ذهنية طبيبنا المفضال عن عبقرية نادرة؛ يحك حنكه قليلاً، ويزم شفتيه كمن يشعر بالقرف، ثم يركز نظراته عليك، وفجأة يتوكل على الله ويصرف لك “بانادول ومرهم” معاً. حتة وحدة. وبهذا يكون حاصر المرض براً وبحراً وجواً. سلّم نفسك المكان محاصر.
ولا أظن أن هناك ما يمنعنا من استخدام نظرية هذا العبقري، فإذا تطاول شاذ الفكر والأخلاق والوطنية على أشقائنا وأهلنا، وراح يتلاعب بأمننا الوطني، وينفخ طائفيته البغيضة في وجوه الناس، ويسعى لإشعال الفتنة، فما الذي يمنعنا من “الشجب والاستنكار” حتة وحدة؟ كي يتألم ويرتدع ويخشى تكرار ترهاته. فلنقذفه بـ”شجبة” لم يسبق لها مثيل، ثم قبل أن يفيق، نقصفه بـ”استنكارة” حمراء فاقع لونها. بلا شفقة ولا رحمة.