من يرقب كم وهج الإعلام الذي يغطي عمليات الإرهاب والإعدام التي يقوم بها تنظيم داعش، وكم السمعة الدولية السيئة التي نحصدها كعرب ومسلمين من تلك العمليات، ومن يستغرب توازيا معها عن سبب تسابق الشباب الغربي على الانضمام لتنظيم داعش، فعليه أن يتذكر أن المنطقة مرت سابقا بتجربة مطابقة على يد تنظيم وديع حداد الإرهابي.. القومي!
****
ففي الستينيات قام وديع حداد المولود في مدينة صفد بفلسطين بتحويل عمليات النضال الوطني ضد إسرائيل من مجراها الطبيعي والمقبول اي التصدي لقوات الاحتلال كما هو الوضع المعتاد لدى جميع حركات التحرر في فيتنام وجنوب افريقيا وروديسيا والجزائر.. الخ، إلى نهج جديد هو القيام بعمليات «إرهابية» توجه للأبرياء والآمنين كخطف الطائرات التي تستقطب الإعلام الدولي بحجة أن ذلك يخدم القضية الفلسطينية وهو ما أثبتت الأيام عكسه تماما.. فتوقف!
****
وكحال داعش هذه الأيام، انضم الشباب الثوري في العالم أجمع لمنظمة وديع حداد، فقدموا من فنزويلا ونيكارغوا وألمانيا وإيطاليا والدنمارك والدول الاسكندنافية وانتهاء باليابان وشاركوا في جميع العمليات الإرهابية، وكانت القشة التي قصمت ظهر بعير كل المنظمات الفلسطينية العاملة على الساحة الأردنية والتي أدت خلال أيام قليلة بعدها لحرب سبتمبر 1970 الشهيرة بين الجيش الأردني وجميع التنظيمات الفلسطينية، هي عملية خطف 3 طائرات مدنية سويسرية وأميركية وبريطانية إلى مطار الثورة بالأردن أوائل سبتمبر 70 وقطع رؤوس الطائرات أي تفجير كبائن القيادة فيها واستضافة مئات الإعلاميين الدوليين لتغطية تلك الأعمال الإرهابية دون إبلاغ السلطات الأردنية في تحد واضح لسيادتها على أرضها، والغريب أن الأنظمة آنذاك في مصر وسورية والعراق التي كانت تؤيد تلك الأعمال في الأردن لا تسمح بها إطلاقا على أراضيها.
****
لقد انتهت منظمة وديع حداد بعد أن أدت غرضها في تشويه سمعة العرب والفلسطينيين، ودس السم لقائدها في بغداد في مارس 1978 قبل توجهه للجزائر، حيث احتار الأطباء في أسباب مرضه الغريب فنقل إلى فرنسا وبعد 9 أشهر دس نفس السم للرئيس هواري بومدين إبان زيارته لبغداد ديسمبر 1978، فاحتار كذلك اطباء الجزائر في مرضه فنقلوه إلى فرنسا وكانت المخابرات العراقية قد استخدمت نفس السم مع زوجة حردان التكريتي قبل صعودها الطائرة للقائه في الجزائر حيث كان يقيم، بحجة انه تطعيم ضد الكوليرا وبعد ذلك قتل ابونضال في بغداد 2002 وابوالعباس 2004 والزرقاوي 2006، لذلك فأرجح أن ينتهي الحال بالبغدادي بإعلان موته أو اختفائه من بغداد عام 2016 أو قبل ذلك.. والله أعلم!
****
التقيت قبل أيام رئيس الوزراء الأردني السابق عبدالكريم الكباريتي، وحدثني عن عملية اختطافه عام 1971 عندما كان رئيسا لاتحاد الطلبة الأردني بالجامعة الأميركية في بيروت ويذكر مستشار الرئيس عرفات بسام ابوشريف في كتابه عن صديقه «وديع حداد» المسمى باسمه بأن أحد قادة تلك المنظمة هو من قام بالخطف من أجل المال، ويطرح ابوشريف في كتابه تساؤلا هل كان وديع حداد ثائرا أم إرهابيا؟ والإجابة بسيطة هو انه كان ارهابيا حتى النخاع، وان لم تكن اعماله ضد الابرياء ارهابا فما هو الإرهاب اذن؟! وشخصيا لن أستغرب لو كشف في يوم ما أن الحداد أو احد قادته قد ساهم في محاولة اغتيال ابوشريف عام 1972 و… لأجل المال أيضا! فهم خير من يدفع وجماعتنا خير من يقبض!
****
آخر محطة: هناك خطآن تاريخيان جسيمان في كتاب بسام ابو شريف «وديع حداد» الصادر العام الماضي هما:
(1) يذكر أبوشريف أن الإرهابي كارلوس بعد خطفهم لوزراء النفط في أوپيك عام 1975 لم ينفذ أمر وديع حداد بالقتل الفوري لوزير النفط الإيراني بعد أن أغراه وزراء النفط المخطوفون بالمال، والحقيقة أخبرني بها القائد الحقيقي والفعلي لتلك العملية والمتواجد بالطائرة وهو د.أنيس نقاش قبل دخولنا لحلقة «الاتجاه المعاكس» عام 2006، حيث قال إن كارلوس كان ينتوي تنفيذ الأمر أي قتل وزيري ـ لا وزير ـ النفط الإيراني والسعودي إلا أن د.أنيس رفض ذلك وأخبر كارلوس بأن هدف العملية هو الحصول على الدعم المالي، فإن تم (وهو ما تم) أطلقنا سراح الجميع.
(2) ويذكر أبوشريف في كتابه أن الشباب الثوري الألماني أصر على خطف طائرة اللوفتهانزا الألمانية والتوجه بها إلى عدن التي تحكمها الجبهة القومية القريبة من حداد، كي يمكن تبادل الركاب بالسجناء الثوريين الألمان في سجن «شتامهايمر» وان ألمانيا طلبت من الحكومة السعودية الضغط على حكومة اليمن الجنوبي (!!) لعدم استقبال الطائرة الألمانية 181 المختطفة في 13/10/1977، مما أدى إلى توجهها إلى مقديشو بالصومال، حيث اقتحمتها القوات الألمانية، والحقيقة بعيدة عن ذلك، فالطائرة المخطوفة هبطت في عدن واستغل كابتنها الألماني نزوله لتزويد الطائرة بالوقود للهرب منها، مما أدى إلى تهديد الخاطفين بقتل المساعد إن لم يرجع، فرجع حيث تم قتله ورميت جثته على ارض المطار، فتغيرت قواعد اللعبة ولم يعد من المقبول أن تقبل السلطة اليمنية بإطلاق سراح القتلة، لذا اتجهت الطائرة بقيادة المساعد إلى مقديشو، حيث تم اقتحامها من قبل القوات الألمانية الخاصة بإذن من الرئيس محمد سياد بري، وبعدها غير الرئيس الصومالي توجهه من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين!