عندما تسمع أن هندوسياً في بلاد الهند أحرق مسجداً وقتل من فيه من المصلين ثم أخذ يرقص فرحاً، يتبادر إلى ذهنك أنه الحقد على الإسلام من قبل أعدائه. وعندما تقرأ أن نصارى في أفريقيا الوسطى نحروا المسلمين ومثّلوا بجثثهم، تفهم أن ذلك الحقد الأعمى على المسلمين. وإذا شاهدت بالتلفاز نساء المسلمين وأطفالهم يتم جمعهم وسط حوش للماشية ويطلق عليهم الرصاص من قبل مجرمي ميانمار حتى تتكون بحيرة من دمائهم بينما القتلة يضحكون طرباً، فإنك بلا شك تتذكر حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء».
إذاً، نحن نتفهم كره خصومنا لنا، ولديننا وعقيدتنا، لكن أن تقرأ مقالاً لمن يفترض فيه أن يكون مسلماً يُظهر فيه استياءه من ممارسة المسلمين لشعائرهم في بلاد الغرب من دون مضايقة من النصارى هناك، فهذا دليل على أن هناك خللاً ما في طريقة تفكير هذا الرجل..!
لقد كتب بالأمس يشجع الحكومة البريطانية على التضييق على الجالية المسلمة في بريطانيا، ويشير إلى أن ناقوس الخطر وصل إلى مسامع الحكومة عندما تم إنشاء مدرسة غير مختلطة (!!) وأن على الحكومة أن تحد من نشاط المسلمين المتطرفين! ولا أظن عاقلاً يشجع على التطرف الديني. لكني تمنيت لو أنه أشار إلى خطورة تطرف المسيحيين والبوذيين وغيرهم ضد عموم المسلمين في أوروبا وغيرها..! المشكلة أن بعض المنتسبين إلى الإسلام يرون أن كل مشاكل المسلمين بسبب التزامهم بدينهم وبتعاليمه! ويعتقدون أن سبب تخلفهم هو تدينهم! وينسون أو يتناسون أنه خلال المئتي سنة الأخيرة التي وصلت فيها حال البلاد الإسلامية إلى الحضيض لم يحكم المسلمين إلا استعمار غربي أو أنظمة ليبرالية وعلمانية! بينما لم يذكر التاريخ أنه قامت للمسلمين حضارة إلا خلال تبني الحكام فيها للمنهج الإسلامي والشريعة الإسلامية في الحكم. واليوم، يأتينا من احتل الغرب ثقافته، وهزم عقله، وغيّب تفكيره، ليقول لنا إن مشكلة المسلمين في التزامهم بإسلامهم، وأن هذا الالتزام هو شكل من أشكال الإرهاب الذي يجب على الغرب أن يعاقب المسلمين عليه..! وضرب مثلاً بأبي قتادة وأبي حمزة المصري كإرهابيين، ولا أدري هل نسي أسماء أخرى أم تناساها..؟!
ووصل التطرف بصاحبنا إلى دعوة حكومات الدول الخليجية إلى اعتبار الدعاة والمفكرين الإسلاميين، الذين يسمح لهم أحياناً بالظهور على بعض القنوات الفضائية كدعاة للفتنة ويطالب بمنعهم من نشر أفكارهم! ولا غرابة في ذلك إن كان يرى أن الإسلام هو سبب التخلف وهو الداعي للإرهاب!
إن الأزمة الحقيقية اليوم هي أزمة ثقافة! فكثير ممن يدعي الثقافة عندنا، والذي يتفاخر بأنه درس في الغرب، ويذكر هذه الجزئية في كل شاردة وواردة، كثير من هؤلاء أعمى الاستعمار الفكري عقله وأصبح لا يرى حضارة وتقدماً إلا كل ما هو غربي ولا ديني. وبالعكس، يرى أن أسباب التخلف تكمن في التمسك بالعادات والتقاليد الإسلامية! ولذلك، لا تستغرب أن تراه يطالب أحياناً كثيرة بطمس الهوية الإسلامية وتحميل المحافظة عليها كل مشاكلنا..!