يبدو أن البعض ما زال رافضاً لمشاهدة الشعوب العربية الكادحة وهي تنتفض على حكامها المستبدين الذين ساموها سوء العذاب على مدى نصف قرن من الزمان. ويبدو أن هذا البعض قد حنّ إلى الماضي المستبد، واشتاق إلى مشاهدة صور الزعيم الأوحد تنتشر في كل زاوية شارع، وقد كتب عليها «لا أمل للأمة إلا بالقائد».. «لا مستقبل لليبيا إلا بالأخ العقيد»! لذلك، عزّ عليه أن يشاهد في القنوات الفضائية الشعوب وهي تنتخب برلماناً يمثل الأمة ورئيساً للبرلمان منتخباً انتخاباً حراً مباشراً، والأمور تسير في اتجاه المزيد من الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة المدنية الحديثة.
هذا البعض يدرك جيداً معنى أن تعيش حراً، ويعرف مستلزمات الحرية بعد أن ذاقت الشعوب متطلبات العبودية عشرات السنين. لذلك، هو يفهم جيداً أنه لا وجود له في دولة تقرر فيها غالبية الشعب ما تريد، وهذا ما يفسر مسعاه لتقويض هذه الإنجازات وإرجاع القطيع إلى حظيرة التبعية المطلقة للحاكم الأوحد، وإن تكبد من أجل ذلك آلاف الأرواح البريئة وعشرات المليارات من أموال النفط وتبييض الأموال!
ما يجري في ليبيا هو أن الطرف الخفي يحرك الجيش للانقضاض على الثورة ومنجزاتها، ويبدأ بإلغاء البرلمان المنتخب، أول مظاهر العودة إلى الديموقراطية وإلغاء الحكم الدكتاتوري، وشعاره طبعاً هو القضاء على الإخوان والإرهابيين! وهي شعارات تم استيرادها من الدول المجاورة، التي بدورها استقدمتها من أميركا والغرب! ومع أن الخطة في ليبيا اتضحت بعد أن كتبت إحدى الصحف الناطقة باسم إحدى دول الخليج أن الفوضى عمت ليبيا ولا بد من تدخل دول الجوار لحفظ الأمن والأرواح! وهذا يعني تدخلاً عسكرياً مرتقباً من دول الجوار الكبرى، وكلنا يعرف من سيتم تنصيبه بعد ذلك، فالجيش سيقوم بإعادة حكم القذافي، ولو بشكل آخر وديكور جديد!
إن مهمة البعض اليوم هي القضاء على أي أمل عند الشعوب العربية في الإصلاح وتحسين الأوضاع السياسية التي كانت تعيشها طوال العقود الماضية، وتحطيم أي طموح لهذه الأمة في العيش الكريم والحياة الرغيدة التي يسود فيها الأمن والأمان والعدل والمساواة، وهي مفاهيم وأسس ترغد بها دول الغرب الأوروبي والأميركي، التي ترفض أن ينعم بها المواطن العربي المسلم! الغريب أن الشعار الذي ترفعه كل حركات العودة إلى الوراء وتبرر به جرائمها ضد الديموقراطية واختيار الشعوب هو القضاء على الإخوان! حتى وإن كان الإخوان وصلوا إلى الحكم بالانتخاب وإرادة الشعوب، بينما السبب الحقيقي هو القضاء على التوجه الديني المناهض للفساد والمفسدين! واليوم نشاهد اللواء المدعوم من مصر والغرب والبترودولار يبرر جريمته بأنها انتفاضة ضد الإخوان، وهو يعلم جيداً أن وجود الإخوان في ليبيا محدود، وأنهم أقلية في البرلمان، وأن انتخاب رئيس الحكومة جاء بعد أن تبين لبقية أعضاء البرلمان فساد المرشح الليبرالي المدعوم من شخصية قريبة من النظام السابق!
إنها معركة بين الحق والباطل، معركة بين الانتقال بليبيا من عهد الدكتاتورية والاستبداد إلى عهد الحرية والكرامة، فإمّا أن تثبت الشعوب العربية أنها تستحق الأفضل وتستحق العيش الكريم، وإمّا أن تؤكد للعالم أنها شعوب لا تستحق أن تراق نقطة دم واحدة من أجلها!