تهديد الوحدة الوطنية.. عبارة كثيراً ما يراد بها باطل..! فقد سمعنا في السنوات الاخيرة ترديد هذه العبارة من قبل اجهزة الامن في الانظمة القمعية لتبرير تقييدها للحريات العامة وتحجيم نشاط المعارضة السياسية لديها. والشعوب العربية لها تجارب مريرة مع هذا النوع من الانظمة الدكتاتورية التي كثيراً ما تستعمل اساليب الكبت والقهر بحجة المحافظة على الوحدة الوطنية التي تهددها مجاميع الحراك السياسي التي ذاقت المرّ من هذه الانظمة التي جثمت على صدر الامة لعقود طويلة تجاوز بعضها نصف قرن من الضيم والظلم لدرجة حُرم المواطن فيها من أبسط حقوقه الإنسانية، وذاق المصلحون فيها والوطنيون البطش والتنكيل، وسارعت اجهزة الاعلام المأجورة بإظهار الحاكم الظالم بصورة الملاك الطاهر، بينما صورت المصلحين والوطنيين بالخونة الذين تآمروا على الوحدة الوطنية، حتى ظن الظالم انه في مأمن من السقوط ونسي «ان الله يمهل للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته». وقد تعاملت هذه الانظمة مع شعوبها وفق سياسة «جوّع كلبك يتبعك»، أي بالتجويع والإذلال والقهر الذي احتدم في النفوس لدرجة لم تعد تحتمله، فكان الانفجار الذي شاهده العالم في مصر وتونس وليبيا واليمن وبما يسمى بالربيع العربي، الذي سارعت وسائل الاعلام المأجورة الى تأويله بمؤامرة الاخوان المسلمين ضد الانظمة الحاكمة، ولو صدقوا مع انفسهم لقالوا ثورة الشعوب المقهورة على حكامهم الظلمة! وكان دليلهم على ادعائهم الباطل ان جماعة الاخوان المسلمين تسلمت الحكم في هذه الدول بعد هذه الثورات، وتناسوا ان الاخوان لم يصلوا الا بانتخابات عامة ونزيهة لم يكن للاخوان يد في ادارتها وتنظيمها! حتى قال قاتل شعبه في سوريا إن الاخوان وراء الثورة السورية! متجاهلاً مئات الآلاف من الضحايا وملايين المشردين من مختلف اطياف الشعب السوري المنكوب! فقط لانه وجد ان هذه الاسطوانة مكررة في وسائل الاعلام مدفوعة الاجر، العربية منها والغربية.
واليوم، مع الأسف، تمارس بعض الانظمة في منطقتنا اسلوبا قريبا من الاساليب التي مارستها الانظمة القمعية من دون ان تستفيد من دروس الحياة او تقرأ عجلة التاريخ بشكل صحيح! فتجد من يتهم خيرة شباب المجتمع ورجاله بتهمة التآمر على الوحدة الوطنية، وتصدر عليهم احكاما بالسجن لسنوات طويلة، ولم يكن جرمهم الا أن قدموا مذكرة تطالب الحاكم بإصلاحات تشريعية وقانونية يرونها لمصلحة وطنهم وبأسلوب راق وقانوني بحت! وها هي الأجهزة الأمنية في بعض دول المنطقة مستنفرة لرصد تحركات المعارضة الإسلامية والوطنية للتضييق عليها وتلبيسها تهماً نعرف انها جاهزة ومعلبة وتنتظر ساعة الصفر لتبدأ حملة بوليسية «قص ولزق» من حملات عبدالناصر وبن علي والقذافي وامثالهم.
والذي حز في نفسي ان بعض الخصوم السياسيين للتيار الاسلامي في الكويت استغلوا هذه الأجواء المشحونة وبدأوا يحرضون السلطة جهاراً على البدء في ضربه دون خجل او خوف من اتهام مظلوم، فبالأمس شاهدنا نائباً يطالب الحكومة باعتباره إرهابيا، واليوم يشن نواب في البرلمان حملة ظالمة على جمعية الإصلاح الاجتماعي بحجة وجود كتب ممنوعة تمس طائفتهم في معرض الكتاب الاسلامي! ومع الأسف تحمس معهم عدد من نواب التيار الليبرالي الحكومي للمطالبة بتطبيق أسلوب البطش والكبت والتقييد على الجمعية والقائمين عليها. وقد تبين لنا ان جميع الكتب الموجودة في المعرض مجازة من وزارة الاعلام من دون استثناء، وان تصريح الوزارة الذي ادعى وجود كتب لم تتم اجازتها انما كان في مرحلة عرض الكتب على لجنة الإجازة التي منعت بعض الكتب ولم يتم بيعها في المعرض، وهذا أمر طبيعي ويتكرر كل عام!
المحير ان هؤلاء الخصوم يعلمون جيدا من هو الاولى بالنعت بالإرهاب.
يعلم الله اننا لم نرغب في إثارة هذه الامور لولا ان «الماء زاد على الطحين» كما يقولون! وأصبحنا نسمع من يتهمنا في وطنيتنا وولائنا لأوطاننا من تيارات ورموز بيوتها زجاج من جهاتها الاربع! وسكوتنا والله ليس ضعفا ولكن خوف على النسيج الاجتماعي لهذا المجتمع الصغير بحجمه والكبير بحب ابنائه لاوطانهم. فاتقوا الله في الكويت، واتقوا الله في ابناء جلدتكم! وحفظ الله الكويت واهلها من كل سوء.