لم أكن أتوقع أن يصل التخلف السياسي والتدليس في التاريخ عند بعض اليساريين الى هذا الحد!
اقرأ معي عزيزي القارئ ما كتبه احد هؤلاء: «… اغلب الارهابيين الذين يكشف عنهم هم كويتيون.. يعني في النهاية هم تربية حكومتنا وتخريج مدارسها ومساجدها وجمعياتها الخيرية!». الغريب ان صاحبنا يعلم جيدا ان معظم الخلايا الارهابية والمجموعات التجسسية، التي تم اكتشافها لا تمت الى المساجد واللجان الخيرية التي قصدها بصلة! بل لم يحدث ان اعلنت جهة كويتية رسمية اكتشاف خلية ارهابية ترعرعت في هذه المساجد وتربت في لجانها الخيرية! بل انني اجزم انك لن تجد هذه الصورة لهذا الارهابي، الا في العقل المريض لصاحبنا وفي مخيلته المملوءة حقداً وبغضاً للعمل الخيري، ولكل ما يمت للدين بصلة. ويستمر التدليس على القراء فيقول: «حكومتنا كانت ولا تزال المدافع الاول عن جامعي التبرعات في الكويت…!»، وكأنه بعيد عما حدث وما زال يحدث للعمل الخيري من تقييد وتحجيم، بل وتشويه لرسالته على يد المؤسسات الحكومية وفداويينها في الجسم الصحفي، فكيف اذاً يسمي حملة ازالة الاكشاك التي تبنتها وزارة الشؤون، وحرمت الجمعيات الخيرية من توسيع رقعة عملها؟! بل ماذا يقول عن منع وزارة الاوقاف لجمع التبرعات النقدية في المساجد وغيرها والتي أفقدت اللجان الخيرية مصدراً رئيسياً من مصادر الدخل؟! ام يا ترى هذه الوزارات لا تمثل الحكومة بقراراتها التي قيدت العمل الخيري وحجمته حتى كادت بعض الجمعيات تغلق، معلنة افلاسها لولا عملية الاندماج التي حصلت فيما بينها؟! ثم يأتي من يدعي بان الحكومة كانت وما زالت المدافع الاول عن جامعي التبرعات..! هل بعد هذا تخلف في الاستنباط واستنتاج الحقائق؟!
كم كنت أتمنى ان ينتقد اليسار الكويتي الاتفاقية الامنية من منطلق مبدئي لتعارضها مع الدستور وحقوق الانسان وحرية الرأي، لكنهم هنا يوحون الى ان هدف الاتفاقية هو محاربة الارهاب الديني المتمثل بالعمل الخيري الذي رعته الحكومة! ومع الاسف ان يصل الامر عندهم الى حصر الارهاب، الذي يجب ان تحاربه الحكومة في: «وقف مساهماتها الاعلامية في تعزيز التدين والتطرف وعليها كبح حمى التبرع!». هذا الذي ازعج اليسار العلماني الكويتي، التبرع والتدين! أدركوا انهم ما لهم في عمل الخير نصيب فحاربوه!
ويستمر التدليس حتى في تشويه الحقائق التاريخية، فيقول: «مكافحة الارهاب تتطلب تغيير سياسة السلطة، التي اختطتها منذ حل مجلس 1976، واطلاقها يد التحالف الرجعي الديني للعبث بالبلاد!». انا لا اريد ان أُذكّر صاحبنا بان مشاركة التيار الوطني في حكومة الحل تلك كانت اكبر من مشاركة الشيخ يوسف الحجي في الحكومة نفسها! فان كان هناك تحالف، فمن شارك بخمسة وزراء اولى بالتحالف ممن شارك بوزير واحد! ثم ان ربط العبث بالبلاد بالتيار الديني فيه افتراء على التاريخ والواقع! فالتيار الديني لم يتأخر يوماً واحداً عن المشاركة في أي استحقاق وطني أو فعالية للقوى السياسية منذ ان دخل المعترك السياسي عام 1981، كما انه لم يتسبب في ازمة المناخ وفساد بعض رجال الاعمال فيه، كما ان التيار الديني لم يسرق الناقلات ولا الاستثمارات الخارجية، كما فعل بعض الفاسدين من اعداء الظاهرة الدينية، والتيار الديني لم يسقط في احضان الحكومة في مرحلة من المراحل، ويقف في وجه الحراك الشعبي المعارض للتوجهات الحكومية، بل شارك في فعالياته لدرجة اتهامه بانه هو الذي يسير هذا الحراك! التيار الديني يا سيدي لم يتخلف عن قضايا الامة ونصرة المستضعفين في بقاع الارض الواسعة كما يطالب رموز التيار اليساري اليوم بوقف المساعدات عن فقراء العالم وحصرها داخل الكويت! من يعبث بالبلاد هو من يحصر التطور والتحضر في جسد المرأة وفي الانفلات الاخلاقي باسم الحرية الشخصية! من يعبث بالبلاد هو من ينظر للمحافظة على الاخلاق والتمسك بثوابت الدين وقيم المجتمع العربي الاصيلة بانه تخلف ورجعية!
عزيزي اليساري العلماني الليبرالي.. اذا حرمك الله من حب فعل الخير للآخرين فلا تحرم غيرك منه، فرسولنا نحن المسلمين صلى الله عليه وسلم علمنا ان «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت»! فعلى الاقل اصمت!