نصيحة الزميل عبداللطيف الدعيج للحكم في مكانها الصحيح (القبس عدد الأربعاء 29 يناير)، فهو يذكر في مقاله "ضروري جداً أن تتمتع الحكومة بتأييد شعبي وسياسي لبرامجها… عندما تضطر الحكومة إلى تبني مقترحات غير شعبية أو سياسات تؤدي إلى التضييق السياسي أو الاقتصادي على الناس…"، ويضيف الزميل عبداللطيف على غير عادته وخارج مألوفه النخبوي "… حتى يصبح واضحاً السلطة بحاجة إلى حكومة شعبية لاتخاذ قرارات غير شعبية…" (أهلاً بصديقي عبداللطيف مع صفوف دعاة الحكومة الشعبية) فهو اليوم على قناعة "بحتمية لا يمكن الهروب منها، وهي أن مشاركة الناس في الاقتصاد تتطلب إشراكهم بالسلطة…".
هذا المفروض، وهذا ما يمليه منطق العقل و"كومن سنس" في سياسة الحكم، فكيف يمكن أن تطلب من الناس أن يضحوا بما آمنوا به لزمن ممتد بأنه حقوق مكتسبة دون مشاركتهم وأخذ رأيهم، وكيف يمكن أن تقنع المواطن بأن سياسة الإصلاح ضرورة للمستقبل له ولأجياله ما لم يكن مشاركاً فيها عبر ممثليه الذين اختارهم بكل حريته في السلطتين التشريعية والتنفيذية… لكن لنتحفظ قليلاً، ونكبح هذا التفكير الطامح wishful thinking "فالنهج العقلاني الذي تفرضه طبيعة الأمور ليس من عادات سلطة ولا من طبائعها، فتاريخها يخبرنا بأنها اعتادت تسير على خلاف منطق الأمور، فأمام أي تحديات داخلية أو خارجية تعترض الدولة لا توجه السلطة نفسها نحو شعبها كي تستمد منه سلطان الشرعية، بل العكس هو ما يحدث، فمثلاً حل المجلسين لا دستورياً عامي 76 أو 86 يخبرنا بأن السلطة كانت تسير على خلاف منطق الأمور في تحديات الداخل، أو التذرع بأسباب الخارج، كالاحتجاج بالحرب الأهلية اللبنانية في الحل الأول، وحرب الخليج الأولى في الحل الثاني، ولماذا نذهب بعيداً، خذوا مثلاً لما أقول قبيل الاحتلال الصدامي للدولة عام 90، فبينما كانت جيوش صدام تحشد للغزو في الشمال، وكانت دواوين الاثنين المطالبة بعودة الشرعية في عنفوانها، فتحت الحكومة صناديق الهراوات في مراكز قواتها الخاصة وأجهزة أمنها لضرب وقمع المتظاهرين بدلاً من أن تفتح صناديق الشرعية، وقارنوا بما فعلته السلطة في ذلك الزمن وما صنعه الفقيد عبدالله السالم بعد الاستقلال مباشرة، حين طالب عبدالكريم قاسم بضم الكويت سارع عبدالله سالم ليشد أزر الدولة بالشعب وكان المجلس التأسيسي ودستور 62، ففي الأزمات تتوجه القيادات الواعية نحو شعوبها، وليس العكس، كأن تقمعهم وتخرس أفواه الشباب فيها…
اليوم أمامنا أزمة عجز مالي قادم، وأزمة اقتصادية خلقتها السلطة من ألفها إلى يائها… هل تتصورون أن فجر الحكومة الشعبية لاح في الأفق، أم ستسير السلطة حسب عاداتها القديمة…؟ هل ستقول للناس تلك أزمة تشملنا جميعاً، أنتم قبلنا، فتولوا أموركم بأنفسكم، أم ستظل ترفع شعار أوريل "الأخ الأكبر" والأب المهيمن، هو "الأبخص" في السراء والضراء…؟ كيف تتصورون الأمور؟ وأي الحلين ستختار؟!