من المفترض أن نعاني قلقاً كويتياً خاصاً، لا يشاركنا فيه أحد، هو قلق كويتي، وليس قلقاً إنسانياً بكل أنواعه، فالإنسان الواعي يقلق من مستقبل مصيره وحكم القدر، ويقلق من عبء المسؤولية الإنسانية عند سارتر، ويقلق من قدر الموت، فالإنسان على خلاف بقية الكائنات يدرك معنى الزمن، وأن لعمره نهاية لا يعرف متى تحل. يمكن أن نتصور أن قلقنا الكويتي لا شأن له بالقلق الوجودي العام، وإنما هو قلق كان كامناً مخدراً قبل فترة، إلا أنه يتحرك بشكل مزعج الآن، بعد أن أخذت الحكومة تدق أجراس الخطر، وتبشر بقرب ساعة الرحيل لدولة الرفاه وإنهاء الدعم، فالحكومة (بمعنى السلطة) تقدم الأرقام المزعجة عن نمو المصروفات العامة أكثر من الإيرادات في السنوات الماضية، وإذا هبطت أسعار النفط إلى أقل من 98 دولاراً فستكون الميزانية في حيص بيص، مثلما كانت بين عامي 98 و99 تقريباً، حين هوى سعر البرميل إلى ثمانية دولارات، وذكرنا بها النائب فيصل الشايع.
أيضاً عندنا شخص خبير في الشأن المالي والاقتصادي، مثل الشيخ سالم الصباح محافظ البنك المركزي ووزير المالية السابق يحذر من تنامي بند الإنفاق الجاري (الرواتب والأجور ومن في حكمهما) وبند الدعم الذي "يتنافى مع الهدف الأساسي منه عندما يتم تقديمه للجميع بالأسس والأسعار ذاتها… أفراد ومؤسسات وشركات، والمفترض ترشيد الدعم لعدد محدد من السلع والخدمات وللمواطنين المحتاجين، فأرقام الدعم تضاعفت بصورة كبيرة، وارتفعت إلى 4.8 مليارات دينار بعدما كانت 865 مليوناً قبل سنوات قليلة"، (افتتاحية الراي عدد أمس).
في مقابل الأرقام الحكومية، تزيد جرعات الحنق ممزوجة بمشاعر القلق عند كثير من المعارضين، فليس الهدر عند شباب المعارضة محدوداً بإنفاق الدولة على مصادر رزق البشر كالرواتب والأجور والدعم، فهم يسألون السلطة عن مليارات المليارات التي أهدرت وتهدر تحت مظلات الفساد بكل صوره للمتنفذين ومن في حكمهم، والتي ليس لها أول ولا آخر… ولا يبدو أن "ترشيد الإنفاق" سيصيب هوامير الفساد، بل سيدفع ثمنه المغلوبون على أمرهم، بحكم العادة المستقرة في أعراف الدولة.
القلق عندي ليس مما سبق فحسب، وإنما أقلق أيضاً لأن هذه الإدارة السياسية التي تتحدث اليوم عن الإنفاق والهدر فيه، هي التي قادت الدولة في العقود الماضية والتي ستقود الدولة في السنوات العجاف القادمة، أقلق لأن إدارة السير على البركة هي ذاتها، وعلى "حطة إيدكم" لم تتغير ولا تريد التغيير.