“>لا شك في أن نسبة من يتفق من القراء مع آرائي، على قلتهم، أكبر من نسبة المخالفين لآرائي، وسبب ذلك لا يعود لجودة ما أكتب، بل لأن من لا يتفق معي لا يشغل نفسه بقراءة ما أكتب. فقلة تقرأ ما لا يتفق مع أفكارها. ولكن هذا الصد عن معرفة طريقة تفكير الآخر يخلق فجوة وجفوة في المجتمع، وهذا جزء من مشاكلنا. وقد قمت لفترة بمتابعة ما ينشر ويبث على آلة الأحزاب الدينية الإعلامية، وما أكثرها، في محاولة لفهم طريقة تفكيرهم! وكنت في جميع الأحوال أشعر بأنني أقرأ أو استمع لبشر ينتمون لعالم غير الذي ينتمي اليه الآخرون. فبرامجهم وحواراتهم لا تخرج عن قضايا الزواج والطلاق والحلال والحرام، والنكاح والإرث والجهاد والقتال والجنة والنار والعبادات، وكل ما يتعلق بالجنس، والعلاقة بالمرأة، وغيرها من المواضيع التي قتلت بحثا، وهي، في عمومها، لا تختلف عما سبق أن سمعته في مدرسة الصباح الابتدائية، وإن بكثافة أقل، وما أعدت سماعه، وبتركيز أعلى، في الصديق المتوسطة، وما تكرر سماعي له، وإن بتوسع، في كيفان الثانوية، نفس المواضيع ونفس القضايا ونفس المشاكل ونفس الحلول تتكرر من شيخ لآخر ومن رجل دين لملا! وبالتالي نجد أن قضايا البيئة والمجاعة والحروب الأهلية وانتشار الأسلحة والأوبئة والأمراض المعدية ونقص الأدوية، وكيفية توقع الكوارث قبل وقوعها، والاحتباس الحراري، وحرق الغابات، وشح مياه الشفة، وغياب الديموقراطية وكيفية التخلص من الانظمة التسلطية، وحتى من جبال القمامة وغيرها من القضايا المصيرية،
لا تعني شيئا لقنوات هؤلاء وصحفهم، وليست بأهمية كيفية توزيع الإرث وصحة ختان الإناث من عدمه! وبالتالي تكمن مشكلتي، عبر هذه الزاوية، في عجزي عن توصيل أفكاري لمن أريد، فغالبية من يقرأ ما أكتب متفق معي تقريبا، ولكن من أريد الوصول اليه لا يقرأ لي، ولا يريد أن يسمع أن زمن الجهاد بالسيف قد ولى، وقتل الآخر لأنه كافر قد مضى، وأن الجهاد هو في المعمل والحقل والمصنع والمختبر، وهي أماكن لا وجود لها في فكرهم الديني. كما أن هؤلاء لايودون معرفة حقيقة أن من يحثونهم على الجهاد لا يرغبون فيه، ولا يترددون في ارتياد أفضل المشافي إن مرضوا! وان من يطلبونهم بإرسال أبنائهم الى الجهاد يقومون بإلحاق أبنائهم بأفضل الجامعات الغربية، فهناك الحوريات، وليس في ازقة حلب وحواري الفلوجة!
ألم نر العريفي كيف امتطى ظهر جواده على الحدود التركية، مطالبا بقتال نظام الأسد، وما ان ترجل عنه حتى ركب الطائرة إلى لندن؟ وما ينطبق على هذا ينطبق على ابناء كبار الإخوان المسلمين، وأماكن عيش ابناء وأحفاد أمثال القرضاوي. وقد رأيت قصور الكثير من هؤلاء الدعاة في الرياض وجدة والكويت، ولا أعتقد أنهم سيتركون رغد العيش فيها ليذهبوا، أو أبناؤهم، للجهاد في جحور الأنبار او حواري حمص.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com