“>”>بالرغم من أن العبودية، بمعناها الديني، قد اختفت من حياتنا، فإنها تمارس بطريقة أو بأخرى في الدول الفقيرة أو التي طحنتها أو ما زالت تطحنها حروب عرقية! ولكننا كأفراد نمارس جميعاً نوعاً أو آخر من العبودية مع أنفسنا، وذلك عندما ندخل الرتابة الصارمة على حياتنا، أو ندمن على فعل أمور سيئة أو حتى جيدة. فالإدمان على التدخين، أو تعاطي المخدّرات، هو نوع من الخضوع لطبع أو عادة وهي عبودية، كالشراهة في الأكل. وهناك، أيضاً، عادات نصف سيئة كالجلوس ساعات أمام التلفزيون، أو قضاء ما يماثل ذلك في اللعب على الإنترنت، ومشاهدة التافه من البرامج. وبالتالي، من الحصافة التخلص من العبودية لأي عادة كانت.
ولكن ماذا عن العادات الجيدة؟ هنا الأمر يختلف في درجة العبودية، فالإدمان على عادة جيدة قد تكون له مضاره، أو جوانبه السيئة. فالتعود على الخلود إلى النوم في ساعة مبكرة، هو بسوء التعود على السهر نفسه، فكلاهما نوع من العبودية التي يجب أن نتدرب على التخلص منها! فقد تضطرنا ظروف الحياة إلى أن نسهر، ولكن عبوديتنا للنوم المبكر تمنعنا من ذلك، أو العكس! وهناك من لا يستطيع النوم دون سماع صوت راديو أو تلفزيون! وآخرون لا يستطيعون النوم إلا في غرف هادئة! ولكن ما الذي سيفعلونه لو تغيرت الظروف؟ هنا سيعانون كثيراً قبل التعود على الوضع الجديد. كما أن هناك عبيداً للقهوة، من الذين ليس بإمكانهم التحدث مع أحد أو القيام بشيء صباحاً قبل تناول رشفة منها، وغالباً مع سيجارة.
وقد درّبت نفسي، على مدى السنوات القليلة الماضية، على التخلص، ما استطعت، من عبوديتي لأي عادة سيئة كانت أو جيدة. فقد اعتدت مثلاً منذ صباي على القراءة قبل النوم. وكانت فكرة الذهاب في «رحلة» إلى الصحراء، بالرغم من جاذبيتها، تقلقني كثيراً، لأن معناها أنني سأحرم من النوم السهل بسبب صعوبة القراءة في خيمة غير مجهزة لمطالعة كتاب. وقد بقيت هذه العبودية معي طويلاً إلى أن وجدت نفسي يوماً في غرفة فندق في لندن، وفي يوم أحد، والوقت متأخر، وتبين لي أنني نسيت أن أحضر معي كتاباً، كما هي العادة، ولم أجد شيئاً يساعدني على الخلود إلى النوم غير استعراض أسماء سكان لندن من خلال دليل الهاتف بصفحاته الألف!
ما ينطبق على الاعتياد على القراءة قبل النوم ينطبق على عادة النوم في غرف معتمة، أو مضاءة، هادئة أو صاخبة. وعليه من الأفضل أن نكسر أو نغير روتين حياتنا، بقيام المدمن على قهوة الصباح، مع قراءة هذا المقال، بتخصيص يومين أسبوعياً مثلاً دون قهوة ولا مقال لنا، أو لغيرنا. وهكذا مع عادة الخروج من البيت في ساعة أو دقيقة محددة، أو ضرورة ممارسة الرياضة كل يوم، أو تحديد وقت لا يتغير لتناول وجبات الطعام، وغير ذلك، فهذه كلها تجعلنا عبيداً لعادات، بصرف النظر عن طبيعتها، ومن الأفضل الاحتفاظ بالجيد منها، ولكن بعدم الإذعان لها، لتصبح الحياة أكثر تنوعاً، وأقل رتابة ومللاً!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com