تاريخياً وعبر معظم مجالس الأمة تعتبر لجنة الداخلية والدفاع تحت إبط السلطة، وطوع أمرها، وتستحق أن يطلق عليها بجدارة وصف ملك أكثر من الملوك، وحرصت السلطة الحاكمة – والتي دائماً تملك وضع الأكثرية في مختلف مجالس الأمة بسبب نصوص الدستور وواقع احتكار الأسرة الحاكمة الفعلي لاقتصاد وسياسة الدولة، ولم يستثن من القاعدة السابقة قليل غير مجلس فبراير 2012 المنحل – منذ زمن على أن يكون تشكيل لجان الداخلية والدفاع حسب رغبات الأسرة الحاكمة ووفق مواصفاتها الخاصة، فقضايا الداخلية والدفاع هي من صميم أعمال سيادة الأسرة وهيمنتها، ويستحيل أن يترك تشكيل مثل هذه اللجنة لاحتمالات فوز أحد من المستقلين أو المعارضين.
قبل أيام، بإجماع ومباركة الحضور في لجنة الداخلية والدفاع أقرت هذه اللجنة اقتراح النائب محمد الحويلة "بشأن توسعة مكاتب أمن الدولة ومكاتب مكافحة المخدرات بفتح أقسام ومكاتب في جميع منافذ البلاد، وزيادة العاملين والمكافآت التشجيعية لهم…" (جريدة الجريدة عدد الأمس)!
لم يكن ينقص مثل هذا الاقتراح السلطوي المرعب الذي أقرته اللجنة غير الدعوة إلى فتح أقسام "كانتينات" لجهاز أمن الدولة في الجمعيات التعاونية، حتى تكتمل الصورة المخيفة ويعم الخير. توسعة جهاز أمن الدولة وزيادة المكافآت التشجيعية لأشخاصه لا يعني غير زيادة احتمالات القمع لحريات البشر وزيادة جرعات الملاحقة لأصحاب الرأي، علاوة على أن مثل هذا الاقتراح لا يخرج في حقيقته عن ممارسة أخرى لشراء الولاءات السياسية، عبر زيادة أعداد العاملين بهذا الجهاز وزيادة امتيازاتهم المادية.
أجهزة أمن الدولة في الكويت وغيرها من دول ثبات السلطة الواحدة ارتبطت في نشأتها بأمن السلطة الحاكمة وهيمنتها المطلقة على شؤون الدولة، حين يصبح أمن السلطة بمعنى ثبات احتكارها المطلق لأمور البشر هو أمن الدولة، فيتم بهذا توحيد وجود الدولة بوجود واستمرارية السلطة، وأصبح أي فكر معارض لتلك الهيمنة، وأكرر كلمة "فكر" أو ممارسته بالتعبير عن الرأي، هو إخلال بأمن الدولة، ويصير في الغالب رجال أمن الدولة أو "البصاصين"، في تعبير جمال الغيطاني في رواية "الزيني بركات"، هم عيون السلطة لمراقبة الرعية وملاحقة المعارضين، وهم أخطر أداة لقهر الشعوب من جملة عدة أدوات مثل التشريعات السائدة وتبعية السلطات الأخرى للسلطة التنفيذية الثابتة.
جهاز أمن الدولة يشغل الآن مبنى يعد من أكبر المباني في الدولة، وهو مبنى كان مخصصاً لإدارة البريد التي رفضته لضخامة حجمه، في منطقة جنوب السرة، ولنا أن نتخيل كيف أن مبنى بهذا الحجم الضخم بوسط منطقة سكنية لم يعد كافياً حتى يأتي اقتراح الحويلة ولجنة الداخلية والدفاع نحو المزيد من "مقاصف" توزيع الرعب في البلاد كما يريد نواب الحكم!