ينقل عن أحد المؤرخين قوله: إن أردت أن تلغي شعباً ما، فابدأ أولاً بشلّ ذاكرته، ثم إلغاء كتبه وثقافته وتاريخه. ثم تكتب له كتاباً واحداً فقط وتنسب له ثقافة هذا الكتاب، وتخترع تاريخاً من هذا الكتاب وتمنع عنه أي كُتب أخرى عندئذ ينسى هذا الشعب من كان وماذا كان، وينساه العالم!
وبصفتي قارئا نهما، ومحبا للكتاب منذ صغري، فإنني لم أجد اصدق من هذا القول في وصف أهمية القراءات المتنوعة. ولا أعتقد أن هناك طريقة أو سبيلا أفضل لاكتساب المعرفة أفضل من القراءة، بعد أن أصبح معنى الكتاب ضيقاً، حيث تطالع الشعوب وتتعرف على العلوم والأفكارالجديدة من خلال وسائل عديدة، منها الكتاب. وقياسا على ذلك فليس هناك أفضل طريقة لاكتساب الجهل، أو المحافظة عليه، من هجر القراءة، والاكتفاء بنص أو أكثر، وكفى الله المؤمنين القتال، وربما شر القراءة! وأيضا قياساً على ذلك لو قارنا ما يطالعه الإنسان العربي سنوياً، من كتب ودراسات وصحف ونشرات وسماع محاضرات، وبحث عن المفيد من المعارف على الإنترنت، لوجدنا رقما يدعو للخجل، في الوقت الذي نرى فيه شعوبا يعتقد غالبيتنا بـ «دونيتها»، دع عنك الدول الغربية، تقرأ أضعاف ما نقرأ، وتتقدمنا بأميال من المعرفة والتكنولوجيا والاعتماد على النفس، من دون سخافة «أنا كوري، أنا تايلندي»، وأفتخر!
أكتب هذه المقدمة الخلدونية قبل الدخول في موضوع المقال المتعلق بقيام بعض الرعاع، ومن الذين لا يمكن أن يعول المرء عليهم في تقديم أية خدمة «إنسانية» لمجتمعهم، بحرق مكتبة «السائح» التاريخية في طرابلس، لبنان لصاحبها، القس، أو الأب «إبراهيم السروج»، لشكهم في أنه كتب أو روج لمقالات مسيئة للرموز الإسلامية، أو ربما أحرقت المكتبة لأي أسباب أخرى! فالمعنى هنا هو رمزية الفعل. فقيام البعض بحرق مكتبة يملكها رجل دين مسيحي مسالم وكبير في السن، ولم يعرف عنه غير المحبة والدعوة للسلام والوئام، لم يكن عملاً أخرق واعتباطياً، من وجهة نظرهم على الأقل، بل وقصد به تحقيق أهداف عدة. ومهما كانت أسباب هؤلاء، إلا ان سعي بعض المغالين للتخلص من رموز المعرفة في مجتمعاتنا أمر لا يمكن نكرانه، وهي هنا «دار الكتب». فهذا المكان، بمنظور من قاموا بحرق تلك المكتبة، هي دار نشر الشر والكفر. وبالتالي فإن من أحرق المكتبة هدف لتحقيق عدة أمور، وعلينا، كأفراد أن نفعل ما بإمكاننا فعله، لوقف هذا التهجير والتخريب، أيا كان.
أحمد الصراف