السياسة في الدول المتقدمة ليست هواية، بل مهنة، وليس للصدفة دائما مكان فيها. وسياسة المحاصصة المتبعة هي التي تخلق سياسيي «الصدفة»، الذين تنحصر مهمتهم في إرضاء الكتل البرلمانية، وأطراف المجتمع السياسي والقبلي والطائفي المؤثرة! ولكن على الرغم من السهولة النسبية في مثل هذه الاختيارات، إلا أن النتيجة لا يمكن أن تشكل فريقا متجانسا أو قوة «إدارية» تذكر! وقد أدى استمرار اتباعها الى عزوف واضح من الجادين والمخلصين، ومن أصحاب الخبرة والكفاءة، عن قبول المنصب الوزاري، وهذه ظاهرة تنفرد بها الكويت، بين الدول المتخلفة في العالم، وحتى المتقدمة التي يكون اختيار الوزراء عادة فيها يتم لمهنيتهم أو لخبراتهم كسياسيين. فالتوزير في الغرب عملية جادة، والاختيار جزء من خطة حكومية، ووجود الوزير الكفء عامل حازم في تحقيق تلك الخطة! هذا العزوف عن المشاركة ربما صعب مهمة رئيس الوزراء في اختيار فريق مميز، ولكنه يعلم أن العزوف سببه غياب الرؤية، وانعدام الانسجام، والأهم من ذلك المركزية الشديدة في اتخاذ القرار داخل الحكومة. كما أن قصر عمر أي وزارة، الذي أصبح بحدود السنة تقريبا، لا يشجع الكفاءات، إن قبلت بالتكليف، على القيام بأي حركة إصلاحية طويلة الأمد، خوفا من ألا يبقى في الوزارة بما يكفي، ليأتي من بعده وزير آخر وينسف كل عمله، فتذهب جهوده سدى، وما حدث مع الوزير الحجرف، وما بدأ به من حركة إصلاحية لن تستمر ربما مع الوزير الجديد، الذي سيكون تحت نفس هاجس عدم البقاء طويلا في منصبه!
يقول صديق إن مركزية اتخاذ القرار تسببت، طوال 40 عاما، في تراكم المشاكل المستعصية، ومثال على ذلك مأساة «عديمي الجنسية» الذين لم تبت السلطة، في وضعهم لأكثر من ثلاثة عقود، وعندما اصبح عددهم بمئات الآلاف، تم تشكل لجنة بعد أخرى لمعالجة أوضاعهم! وأخبرني صديق آخر أنه قرأ القصة الرمزية التالية، وطلب مني تكرار نشرها: ذهب رجل إلى سرداب البيت الذي لم تطأه قدماه منذ سنوات، فوجد أجهزة إلكترونية قديمة، ومجموعه ألعاب، كانت في وقته مصدر تسلية له وإخواته واصدقائه، مثل كرات البلور، او التيلة، وقطع خشبية للعبة «الدامة»، وبضع «دوامات» مع خيوط تدويرها. وقال إنه حمل تلك الألعاب لأولاده وشرح لهم ما كانت تعنيه بالنسبة إليه، وطريقة استخدامها، ودعاهم الى ترك ما بأيديهم من أجهزة حديثة، ومشاركته في اللعب، ولكنهم نظروا إليه من دون أن يقولوا كلمة، وعادوا لهواتفهم الذكية والآيباد واللاب توب. ويقول الصديق إنه شعر وقتها وكأنه رئيس وزراء، وان ما بيديه من ألعاب هم أعضاء الوزارة الجديدة، واولاده هم الشعب!
ونختم المقال بتكرار تساؤل الزميل وليد الجاسم، في الوطن: إن كان د. العبيدي مميزا في وزارة سابقة، فل.مَ قام الرئيس بإعفائه وقتها من منصبه كوزير للصحة؟ وإن كان العبيدي سيئا فل.مَ قام الرئيس نفسه بتكليفه ثانية بوزارة الصحة؟
أحمد الصراف