حين نشاهد اليوم مآسي حرب العصابات الدينية والطائفية في سورية والعراق، التي تحولت أيضاً إلى حرب داخل الطائفة السنية أساسها "اختلاف اجتهادات" على الشرعية الطائفية أو شرعية تمثيل القاعدة (ضاعت الحسبة في حروب البسوس الجديدة)، أو نرى معارك أساسها كيفية التعامل مع "ال كابون" بشار الأسد أو التعامل مع ممارسات حكومة المالكي في تهميش سنة العراق، بعد تخليه عن وعوده لشيوخ القبائل السنية، الذين وقفوا معه ومع الاحتلال لطرد القاعدة عام 2006، يصبح من المهم أن نفهم كيف ستنتهي الأمور هناك، فالعراق وسورية ليسا من دول المريخ، وما يحدث لابد أن ينعكس علينا في الكويت وفي دول الخليج.
ومن دون الخوض في التاريخ العربي، الذي توقف منذ سقوط الدولة العثمانية، ولم تتخلله غير لحظات ليبرالية هادئة في الأربعة عقود الأولى للقرن العشرين، لكي يقفز بعدها طغاة عسكريون على الحكم لا يتحداهم جدياً غير قوى الإسلاميين مثل الإخوان، وننتهي اليوم بهذه الخبيصة المدمرة، في معظم أقطار عالمنا التعيس، لمحاولة فهم القليل يعرض الكاتب توماس فريدمان، في مقاله بـ"نيويورك تايمز" (لم أعد أهضم الكثير مما يطرحه) كتاب د. مروان المعشر وزير خارجية الأردن سابقاً "الصحوة العربية الثانية ومعركة التعددية" (ترجمتي للعنوان) فالأرض العربية تضج بسنة وشيعة وأكراد ومسيحيين ودروز… وكان يثبت تماسك الدول التي يحيا بها "القرقيعان" الطائفي والعرقي أنظمة عسكرية طاغية، لكن بعد الإطاحة بتلك النظم، وكانت البداية إسقاط نظام صدام 2003 بالاحتلال الأميركي، ثم خروج الأميركان من المنطقة، الذي بدوره ولد فراغ قوة، أوصل دولنا إلى تلك الحالة في حروب طوائف واقعة أو قادمة، وما يثيره الدكتور مروان هو أن البلاد العربية لا تعاني الآن فراغ قوة فحسب بل "فراغ قيم"، فبعد ثلاث سنوات من "النهوض العربي"، الذي أظهر إفلاس الأنظمة العسكرية الأوتوقراطية العلمانية في إيجاد لقمة العيش الكريمة للمواطنين، والتي مازالت تصارع القوى الإسلامية، وبعد آن آلت إليه الأمور على ما نراه يصبح من الضروري العمل من أجل "التعددية الثقافية"، وهي تعددية في التعليم وتعددية نحو الأقليات وتعددية الأحزاب، بكلام مختصر، تصبح تعددية القبول بالآخر، ومن دون فرض هيمنة واستبداد جماعة عرقية أو دينية على الأخرى.
أتمنى أن يجد القارئ العربي ترجمة لكتاب الدكتور مروان المعشر قريباً، ويبقى حلم "القبول بالتعددية الثقافية"، أي القبول بالآخر المختلف عنا عرقياً أو دينياً أو طائفياً، مسألة قد تأخذ مساراً طويلاً يتجرع فيه العرب مرارة حروب داحس والغبراء الممتدة، وتظل هناك، في النهاية، بعض الأسئلة من شاكلة هل كانت الأنظمة العربية العسكرية الحاكمة "علمانية" حقيقة أم إنها تلفيق سياسي فاسد لا أكثر؟ وكم من الزمن؟ وما حجم التضحيات التي يتعين على القوى التقدمية الشبابية اليوم أن تبذلها حتى تتحقق آمالها بدول عادلة لا استبداد فيها لعسكر أو أمراء قبائل أو أمراء دين أو طائفة، وربما نتذكر في هذه المناسبة عبارة الباحث أوليفييه روا من كتاب "الجهل المقدس"، التي يقول فيها "… ولكن الثقافة الدنيوية في العالم العربي هي في الوقت عينه فارغة، وتزداد فراغاً، وتختفي تحت الضغط المزدوج للسلفية من جهة، وللتغريب من جهة أخرى…" متى ينتهي هذا الكابوس؟!
اليوم: 9 يناير، 2014
الدامة والعبيدي
السياسة في الدول المتقدمة ليست هواية، بل مهنة، وليس للصدفة دائما مكان فيها. وسياسة المحاصصة المتبعة هي التي تخلق سياسيي «الصدفة»، الذين تنحصر مهمتهم في إرضاء الكتل البرلمانية، وأطراف المجتمع السياسي والقبلي والطائفي المؤثرة! ولكن على الرغم من السهولة النسبية في مثل هذه الاختيارات، إلا أن النتيجة لا يمكن أن تشكل فريقا متجانسا أو قوة «إدارية» تذكر! وقد أدى استمرار اتباعها الى عزوف واضح من الجادين والمخلصين، ومن أصحاب الخبرة والكفاءة، عن قبول المنصب الوزاري، وهذه ظاهرة تنفرد بها الكويت، بين الدول المتخلفة في العالم، وحتى المتقدمة التي يكون اختيار الوزراء عادة فيها يتم لمهنيتهم أو لخبراتهم كسياسيين. فالتوزير في الغرب عملية جادة، والاختيار جزء من خطة حكومية، ووجود الوزير الكفء عامل حازم في تحقيق تلك الخطة! هذا العزوف عن المشاركة ربما صعب مهمة رئيس الوزراء في اختيار فريق مميز، ولكنه يعلم أن العزوف سببه غياب الرؤية، وانعدام الانسجام، والأهم من ذلك المركزية الشديدة في اتخاذ القرار داخل الحكومة. كما أن قصر عمر أي وزارة، الذي أصبح بحدود السنة تقريبا، لا يشجع الكفاءات، إن قبلت بالتكليف، على القيام بأي حركة إصلاحية طويلة الأمد، خوفا من ألا يبقى في الوزارة بما يكفي، ليأتي من بعده وزير آخر وينسف كل عمله، فتذهب جهوده سدى، وما حدث مع الوزير الحجرف، وما بدأ به من حركة إصلاحية لن تستمر ربما مع الوزير الجديد، الذي سيكون تحت نفس هاجس عدم البقاء طويلا في منصبه!
يقول صديق إن مركزية اتخاذ القرار تسببت، طوال 40 عاما، في تراكم المشاكل المستعصية، ومثال على ذلك مأساة «عديمي الجنسية» الذين لم تبت السلطة، في وضعهم لأكثر من ثلاثة عقود، وعندما اصبح عددهم بمئات الآلاف، تم تشكل لجنة بعد أخرى لمعالجة أوضاعهم! وأخبرني صديق آخر أنه قرأ القصة الرمزية التالية، وطلب مني تكرار نشرها: ذهب رجل إلى سرداب البيت الذي لم تطأه قدماه منذ سنوات، فوجد أجهزة إلكترونية قديمة، ومجموعه ألعاب، كانت في وقته مصدر تسلية له وإخواته واصدقائه، مثل كرات البلور، او التيلة، وقطع خشبية للعبة «الدامة»، وبضع «دوامات» مع خيوط تدويرها. وقال إنه حمل تلك الألعاب لأولاده وشرح لهم ما كانت تعنيه بالنسبة إليه، وطريقة استخدامها، ودعاهم الى ترك ما بأيديهم من أجهزة حديثة، ومشاركته في اللعب، ولكنهم نظروا إليه من دون أن يقولوا كلمة، وعادوا لهواتفهم الذكية والآيباد واللاب توب. ويقول الصديق إنه شعر وقتها وكأنه رئيس وزراء، وان ما بيديه من ألعاب هم أعضاء الوزارة الجديدة، واولاده هم الشعب!
ونختم المقال بتكرار تساؤل الزميل وليد الجاسم، في الوطن: إن كان د. العبيدي مميزا في وزارة سابقة، فل.مَ قام الرئيس بإعفائه وقتها من منصبه كوزير للصحة؟ وإن كان العبيدي سيئا فل.مَ قام الرئيس نفسه بتكليفه ثانية بوزارة الصحة؟
أحمد الصراف