هذا المقال يتعلق بما نسبت، في مقال سابق، من أبيات شعر للمتنبي، واكتشف الكثير من القراء خطأ ما ذكرت، وكتبوا واتصلوا، كتابيا وهاتفيا، يلفتون نظري الى ما ارتكبت من «خطيئة»! وقد أعادني الموضوع لواقعة طريفة حدثت قبل أكثر من نصف قرن، عندما كنت في المرحلة المتوسطة. كان مدرس العربية، الأستاذ جاد، دائم التجهم، وقد حذرني مرارا من أنني سأسقط في مادته إن بقيت مصرا على عدم حفظ بيت شعر واحد من المقرر، وأن الاكتفاء بعلاماتي الممتازة في الإملاء والإنشاء ليس كافيا. ومن منطلق محبته لي، لأنني كنت أحرر مجلة الحائط، وأساعده في عمله في المكتبة، فقد غششني وأخبرني بأن امتحان اليوم التالي في الشعر سيكون في قصيدة للشاعر امرئ القيس، التي يقول فيها واصفا فرسه: مكر مفر مقبل مدبر معا.. إلخ! سهرت الليل، وحفظت أبياتها القليلة، وفي صباح اليوم التالي وقفت لألقي القصيدة، ولكن صياح الطلبة ارتفع مطالبين المدرس بإعفائي من الإلقاء، لأنني لا أحفظ الشعر! كبرت في رأسي، وجلست مدعيا عدم الحفظ، لكي لا «أفشل» زملائي! وهنا نظر لي الأستاذ جاد بأسف، وقال: الله يخرب بيتك! أنت حتاكلها في يوم على دماغك من الشعر! وبعد 50 عاما تحققت نبوءة الأستاذ جاد، و«خربتها» بجدارة في مقال «المتنبي.. الحب والفخر»، الذي كان يجب أن يكون عنوانه «أجمل أشعار العرب»، وبدلا من ذلك نسبت الأبيات جميعها لأبي الطيب. وبالرغم من تبرع اصدقاء وقراء للفت نظري الى نسبة هذا البيت أو غيره لهذا الشاعر أو لغيره، فإن الأستاذ محمد المنيع كان الوحيد الذي بذل جهدا في البحث عن قائل كل بيته ورد في المقال، وكانت الحصيلة، على ذمته، كالتالي: أغرك مني ان حبك قاتلي، هي من معلقة لامرئ القيس. وما عجبي موت المحبين في الهوى، لعروة بن حزام. ولو كان قلبي معي ما اخترت غيركم، لعنترة بن شداد. فيا ليت هذا الحب يعشق مرة، لقيس بن الملوح. واني لأهوى النوم في غير حينه، لقيس لبنى. ونقل فؤادك حيث شئت من الهوى. لأبي تمام. واذا ما رأت عيني جمالك مقبلا، للشاب الظريف. وأحبك حبين حب الهوى، لرابعة العدوية. وقفي ودعينا قبل وشك التفرق، لصفي الدين الحلي. وضممتك حتى قلت ناري قد انطفت، لقيس بن الملوح. فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى، لأبي فراس الحمداني. وان حكمت جارت عليّ بحكمها، لأحمد بن محمد بن عبدربه. وقتل الورد نفسه حسدا منك، لبشارة الخوري. وأخيرا: اعتيادي على غيابك صعب، وقد تسربت في مسامات جلدي، البيتان لنزار قباني.
الأمر الطريف الآخر أن الخطأ في ذلك المقال كلفني ساعة في كتابة هذا المقال، وساعة تقريبا للرد على عشرات رسائل الإنترنت والمكالمات الهاتفية، كلفتني في النهاية، وأنا خارج الكويت، أكثر من 25 ديناراً!
أحمد الصراف