هذه المرة وكالة "رويترز" تقرع أجراس الإنذار عن الوضع الاقتصادي للدولة، فقد ذكرت أن فائض الميزانية انخفض 15٪ في الستة أشهر الأولى من السنة الماضية مقابل ارتفاع النفقات أكثر من 50٪ في المدة ذاتها، وأن معظم أوجه الإنفاق صرفت على بند الرواتب والأجور لا على الاستثمار، وتضيف الوكالة الإخبارية أن زيادة الإنفاق لم يظهر تأثيرها على زيادة الطلب الداخلي كما يتوقع، كما ذكرت أن فائض الميزانية انخفض إلى 10.72 مليارات دينار من أبريل حتى سبتمبر من العام الماضي، بينما كان في الأصل 12.65 ملياراً للفترة ذاتها من السنة قبل الماضية.
وأعادت الوكالة تصريح رئيس الحكومة، قبل فترة، عن ضرورة خفض الإنفاق وترشيد الاستهلاك، وكان رئيس الحكومة بدوره يعيد تحذيرات صندوق النقد الدولي، التي تقول من بدايتها إلى نهايتها، إن أيامكم الحلوة يا أهل الكويت ستنتهي خلال الثلاث سنوات المقبلة… ولست متأكداً أن الكويت تحيا أيامها الحلوة إلا بالنسبة إلى القلة الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف، فأيامهم الحلوة دائمة بصرف النظر عن انخفاض أسعار البترول وانخفاض فوائض الميزانية، فهم جبال من الفساد لا تهزهم رياح التغيير.
ليس هناك من جديد في تقرير "رويترز" الذي نبه إليه في تغريدة عابرة الباحث كريستوفر ديفدسون صاحب كتاب "ما بعد الشيوخ… اقتراب نهاية الحكم المشيخي لدول الخليج"، والجديد الحقيقي أنه لا جديد في منهج السلطة، فغير رفض الحكومة زيادة العلاوات والرواتب لم تقدم أمراً جديداً، وأجزم يقيناً أن تشكيلة رواد الفضاء الجديدة لن تقدم شيئاً بدورها مادامت وكالة "ناسا" الكويتية يديرها أبناء الشيوخ.
ماذا يمكن أن تفعل السلطة، في فترة "استهلاك الفائض" القادمة، وبداية الاقتطاع من اللحم الحي، فأسعار البترول تميل إلى الانخفاض بعد اكتشافات النفط الصخري في الولايات المتحدة، ويستحيل أن تتوقف الحكومة عن تعيين المواطنين في الوظيفة العامة، فليس لدينا قطاع خاص حقيقي يمكن أن يستوعب العمالة القادمة، فقطاعنا الخاص مجرد وكالات حصرية لمنتجين صناعيين في دول "السنع" المتقدمة، ولا يمكن بالثقافة الاجتماعية السائدة أن تفتح الدولة أبواب الاستثمار الأجنبي والسياحة مثلما فعلت إمارة دبي… كل الطرق مغلقة أمامنا، والمستقبل مظلم.
أبسط بداية لبعث الأمل يفترض أن تبدأ بحركة إصلاح سياسية حقيقية للسلطة، فلا يمكن أن تغير منهج الفكر السياسي مادام هذا الفكر المسؤول عن أزمات الماضي يخرج من الدماغ ذاته والأشخاص أنفسهم، ففاقد الشيء لا يعطيه، والكويتيون، في النهاية، حالهم من حال غيرهم، سيرضون بالتضحيات، سواء تمثلت في جمود الرواتب أو انتظار السكن إلى يوم غير معلوم، وسيرضون بأكثر من ذلك مثل زيادة أسعار الكهرباء والماء إلى مزيد من رداءة الخدمات العامة بشرط أن تقدم السلطة دليلاً واحداً على جديتها للإصلاح السياسي والاقتصادي، لتبدأ بتحقيق ديمقراطية جادة بنظام برلماني كامل وأحزاب، ولتشرع في العمل بشفافية وعدل في إدارة المرفق العام، لتقدم "حرامي واحد" من أهل الفساد إلى العدالة بدلاً من حشر المعارضين في أقفاص الاتهام، وحين تفعل ذلك سيصدقها الناس ويعملون معها بدلاً من العمل ضدها.