في غضون يوم أو يومين – الزمن ليس مهماً في هذا البلد – قررت إدارة المرور "فجأة" تخفيض سرعة القيادة في معظم شوارع الدولة، وبررت الإدارة قرارها بوجود دراسات دولية بأن مثل ذلك القرار يخفف زحمة المرور، الناس "الرعية" الذين لم يكونوا على علم لا بالقرار القسري ولا بالدراسات التي تحدثت عنها إدارة المرور سكتوا، فهذا أمر سيادي من السلطة، يفترض أنه جاء "للمصلحة العامة" بحكم العادة الرسمية المتأصلة بالتبريرات، وأيضاً "فجأة" تم إلغاء قرار مدير المرور من قبل وزير الداخلية في زمن قياسي من ولادته، والذي جاء، بدوره، بعد دراسات مستفيضة، وبحكم العادة الكويتية المتأصلة ذاتها، ليقرر أنه لا علاقة بقرار مدير المرور اللواء العلي بتخفيض السرعة بأزمة الاختناقات المرورية، وطبعاً "دراسات" مكتب الوزير الشيخ لابد أن تكون "ديلوكس"، وأمضى من دراسات اللواء العلي المواطن الضابط.
لا يهمني صحة أي من الدراستين المتناقضتين لوزارة الأمر والطاعة، فهذا شأن خاص بالشيوخ فهم "أبخص" بمعنى أعلم بالمصلحة العامة، وهو أيضاً من اختصاص، بالدرجة الثانية، الضباط الكبار، الذين هم بمراكز "عالية" وفوق القانون، وأعلى من سقف المساءلة مثلما قرأنا بأخبارنا الخجولة عن الضابط الكبير المتاجر بالإقامات، والذي قد يكون ابن شيوخ أيضاً، وكان عقابه المروع بعد كشف جرائمه إحالته إلى التقاعد! ما يهم حقيقة هو الطريقة المخزية التي تصدر بها القرارات، وتدار عبرها أمور الدولة ثم تهمل، فمثلاً لنفكر قليلاً في كيفية صدور قرار إنشاء استاد جابر أو مستشفاه أو تحديد المسؤولية عن فشل هذا أو ذاك المقاول أو جريمتهما في كلا المشروعين، أو قرار و(قرارات) بناء أربعة مستشفيات، ثم توقيف العمل بها، أو قرارات بناء محطات للطاقة الكهربائية ثم تناسيها، أو قرار صفقة الداو ثم فسخها، ولنا أن نقيس مئات القرارات التي تولد في لحظة ثم تموت في لحظة أخرى، أو تهمل وترمى في سلة النفايات، وفي معظمها تنتشر روائح فساد مالي واستغلال نفوذ في خلقها أو إعدامها، وتظل الدولة على حالها المائل، وفي مكانها تراوح، أو تكون في حالة تراجع… الأسئلة المستحقة هنا كيف تتخذ مثل تلك القرارات؟ وهل تم التخطيط المسبق لها؟ وأي نوع من الدراسات الجدية أو الهزلية قد سبقها؟… لا أتصور أن أياً من تلك الأسئلة تم طرحه على أهل الحل والعقد في الدولة، وإلا فكيف نفسر ذلك الفشل والهدر المرافق المتواصل في تسيير أمور الدولة. يمكن أن نعيد الحكمة الثابتة في تراثنا الخاص بأن الأمور تسير على البركة، لكن حتى هذه لا تبدو صحيحة، فهي ليست بركة وإنما فضائح مزمنة في منهج إدارة الدولة، فلنضع أيدينا على قلوبنا حين نفكر بقلق مدمر في مستقبل أبنائنا تحت ظلال تلك الإدارة، ولنصمت بخجل حين يدور الحديث عن دولة المؤسسات.