على نطاق ضيق، انتشر على شبكة اليوتيوب خلال الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فيديو محاضرة مدير مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية، دايفيد وينبرج، وهو يتحدث بتاريخ 2 يونيو/ حزيران 2013 في النرويج عن تفكيك الجيوش العربية.
وعلى الرغم من أن ذلك الفيديو لم يحظ حتى مساء يوم الأربعاء (1 يناير/ كانون الثاني 2014) سوى بعدد مشاهدات بلغت 535 مرة، تحدّث الرجل عن تدهور جيوش العراق وسورية ومصر، معلناً أن التهديد العسكري العربي لـ «إسرائيل» قد تبخّر! وخاطب الحضور وهو يرتدي الكوفية اليهودية بعبارة مترجمة نصها: «المجتمعات العربية كما تعلمون جميعاً، من ليبيا إلى تونس عبر مصر إلى سورية، ولم تصل بعد للأسف إلى الأردن، تزلزلهم صراعات داخلية، وخلال عقدين إلى أربعة عقود قادمة، ستعصف بهم صراعات داخلية وتفاوت اقتصادي واحتياجات، وستعجز معها إمكانياتهم عن شن هجوم منسق ضد «إسرائيل» بالأسلوب العسكري التقليدي تماماً.. ستنتهي..ستنتهي.». انتهى الاقتباس. ولمن يرغب يمكنه البحث في شبكة اليوتيوب عن عنوان: «ديفيد وينبرج يتحدث عن تفكيك الجيوش العربية».
حتى عهد قريب، وقبل انطلاق موجة المطالبة بالحقوق والديمقراطية في الوطن العربي العام 2011، كانت ذهنية المواطن العربي تجاه جيش بلاده أو جيوش العالم العربي والإسلامي لصيقة بفكرة أن هذه الجيوش لحماية الأوطان، لكن ليس ذلك فحسب، بل هي أيضاً مجهزة ومسلحة وتستنزف الموازنات الضخمة لاستخدامها ضد الشعوب! فلن يجرؤ أي جيش منهم على شن حرب لتحرير فلسطين إطلاقاً!
ثم توالت أحداث الموجة في الوطن العربي لتتغير الفكرة لدى بعض الشعوب فأطلقوا شعار: «الجيش والشعب يد واحدة»، وبقيت فكرة معاداة الجيوش التي تفتقد عقيدة الدفاع عن الشعوب تتفاوت من بلد إلى بلد، لكن الحقيقة التي لم تتغير هي أن هذه الجيوش لن تكون يوماً في مواجهة ضد الصهاينة. والمواطن العربي معذور في ذلك، وسيكون معذوراً بدرجة أكبر لو استمع بالتفصيل لكلام دايفيد وينبرج ولعنه لعناً ثم قال معلقاً: «كلامك صحيح أيها العدو».
في جولة القراءة والمطالعة تحت عنوان: «تفكيك الجيوش العربية» بمناسبة مشاهدة تلك المحاضرة، فإن رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات سمير غطاس علق على محاضرة دايفيد وينبرج بقوله أن «إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية عكفتا منذ فترة طويلة على دراسة ما يحقق أقصى قدر ممكن لأمن إسرائيل وبسط سيطرتها على المنطقة، وأن الشرق الأوسط أسير الآن لثلاثة محاور أساسية في تغييب العرب ومصر تحديداً، وهي المحور الإسرائيلي، والمحور التركي والمحور الإيراني، بل أن أميركا كانت تعتمد في السابق على اتفاقات السلام التي عقدت في مصر لتحقيق الأمن لإسرائيل، ولكن تحقيق هذا الهدف بشكل استراتيجي أكبر كان من وجهة نظر أميركا عن طريق تفكيك الجيوش العربية».
الكاتب الصحافي مصطفى قطبي كان أكثر جرأةً حينما رصد الإصرار المريب، كما أسماه، لدوائر الإمبريالية الصهيونية على تحطيم الجيوش العربية وإخراجها من المعادلات السياسية والأمنية، وتوجيه حقد العصابات الإرهابية على تلك الجيوش، مع رسم معادلة جديدة تصبح فيها عملية القتل والذبح للجنود هي المقدمة الأولى للعمل الوطني، وهو جواز السفر الذي يوصل المرتكبين إلى الجنة، خصوصاً أن الفتاوى التكفيرية جاهزة عبر محطات الفتنة الطائفية والمذهبية.
الخلاصة، وهي ما أشار إليه مصطفى قطبي أيضاً، هو صدق الأب المعاصر للصهيونية هنري كيسنجر يوم قال بعد حرب أكتوبر التحريرية 1973 بأنه سيجعل المنطقة تغرق في حروب عربية ـ عربية لا يُعرف فيها القاتل من المقتول، حيث يتم في هذه الحروب العربية المدعومة من حثالات الشعوب وأبالستها وثعابينها من تحقيق الهدف الاستراتيجي الصهيو/ أميركي، وهو استئصال خلايا الأمل من دماغ المواطن العربي وضميره، وذلك عبر القضاء على ثلاثة جيوش عربية هي الهاجس الأكبر لدى أميركا و»إسرائيل»، وهم الجيش السوري والعراقي والمصري، وعندها تنام «إسرائيل» ملء جفونها، ويتحوّل جنرالاتها إلى صيادي سمك أو منقبين عن آثار سليمان في المنطقة.
من وجهة نظري، لن تتمكن الشعوب العربية والإسلامية من التأمل بدقة في الطرح السابق إذا فضلت البقاء رهينة الصراع المذهبي الطائفي، ولن تتغير المعادلة إذا بقيت الفكرة الغبية في جعل طائفة من المسلمين أخطر من اليهود، ولطالما بقيت فئة مشايخ الناتو وعلماء الطين يملأون رؤوس أبناء الأمة بالشحن الذي يبتغيه الصهاينة، ويتاجرون بمصير الأمة بثروة من الأموال المغموسة في الخيانة.