تفتتت كل صخور الحراك المعارض، والسبب ببساطة اختفاء الرؤية وخطوات تحقيقها واختلاط الإصلاح بعوامل الفساد وإقحام أعداء الدستور والحرية قسراً في المعارضة، وإشراك الطائفيين، وتصرفات عشوائية غير مدروسة أو واضحة الأسباب، وتخوين غير مبرر لمن يختلف معهم في الأسلوب، كل تلك العوامل جعلت من الحراك المعارض يضعف بل يكاد يتلاشى. لن أبكي على اللبن المسكوب بل سأتعاطى مع واقع نعيشه اليوم، وهو انتظار كلمة الحسم من المحكمة الدستورية فيما يخص مرسوم الصوت الواحد الذي خلق انقساماً شعبياً لم أشهده في حياتي من قبل. أتوقع شخصياً أن المحكمة الدستورية ستسقط مرسوم "الصوت الواحد" وبالتالي يعود مجلس 2009 للانعقاد عملاً بالمادة (107 من الدستور. وقد بنيت توقعي بشكل أساسي على عدم جواز إطلاق يد مراسيم الضرورة بشكل مطلق، حسب ما فهمت وعلمت من بعض أساتذة القانون الدستوري بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة. الكويت بكاملها تنتظر يوم 16-6-2013 للبت في أمر أقل ما سيقال عنه إنه تاريخي ويرسم مجريات الأمور المقبلة، ومن هذا المنطلق لا بد من قول شكراً لكل من عبدالله الرومي وعادل الصرعاوي ومرزوق الغانم وأسيل العوضي وصالح الملا وكل من تولى الترافع عنهم (أعرف منهم المحاميين مشاري العصيمي وعبدالله الأحمد) في طعنهم المقدم بعدم دستورية مرسوم "الصوت الواحد"، فقد التزم هؤلاء بالمقاطعة السياسية لانتخابات ديسمبر انسجاماً مع موقفهم الرافض للمرسوم رغم فرص فوزهم الأكبر بنظام "الصوت الواحد"، وتوجوا رفضهم بطعن قانوني موجه إلى المحكمة الدستورية، ولولا هذا الطعن لكنا اليوم نعيش في حالة انتظار طويلة لا نهاية لها. عليكم فقط أن تتخيلوا الوضع السياسي بالكويت لولا طعن هؤلاء؛ مجلس بشبهة دستورية يستمر ومراسيم ضرورة متاحة بالمطلق لسنوات أربع قادمة على الأقل. لقد واجه هؤلاء التخوين من الطرفين المعارض والمؤيد إلا أنهم التزموا بقناعاتهم دون تغيير رغم ذلك، وهو أمر صعب جداً لدى سياسيينا الحاليين، نحن اليوم ننتظر حكم "الدستورية" بسببهم، فبينما كانت العشوائية والتخبط يملآن الحراك المعارض للمرسوم توجه هؤلاء إلى طريق قانوني سليم لم يسلكه غيرهم للأسف، ودون أي بهرجة أو شعارات رنانة لا تغير من الواقع شيئاً، فشكراً مجدداً لعبدالله الرومي وعادل الصرعاوي ومرزوق الغانم وأسيل العوضي وصالح الملا. ضمن نطاق التغطية: أعلم جيداً أن السيد عبدالله الرومي كان يدفع باتجاه إسقاط المرسوم من خلال مجلس الأمة، وهو أمر لا أتفق معه فيه أبداً، لكن يحسب له التزامه برأي المجموعة بعد التشاور وطرح مختلف الآراء.
الشهر: يونيو 2013 
القصة الحقيقية لكارثة الأمة العربية!
في العام 1967 نصب النظام القائم في سورية آنذاك مصيدة لمصر وللأمة العربية عندما اعلن ان عبدالناصر لا يملك خطة لتحرير فلسطين، وان دمشق ستقود الحرب الشعبية المنطلقة راياتها من «هانوي العرب» لتحريرها، وتم الهجوم الاعلامي على القاهرة كونها تسمح بمرور السفن الاسرائيلية من مضائق تيران، فوقع المشير عامر في الفخ وأرسل من باكستان يدعو لإغلاق المضائق والعمل على تحرير فلسطين والوصول السريع لتل أبيب قبل ان تصل لها الميليشيات الشعبية السورية.
■■■
وزاد الطين بلة اساءة فهم وزير الحربية المصري شمس بدران لرسالة وزير الدفاع الروسي، حيث ابلغ عبدالناصر بأن الاتحاد السوفييتي سيدخل الحرب معهم بشرط الا تبدأ مصر الحرب وتقبل بتلقي الضربــة الاولى، وكانت المخابرات العسكرية المصرية قد فشلت في معرفــة ان اسرائيل قـــد زودت طائراتهـــا الميراج قصيـــرة المدى بمستودعـــات وقود احتياطية تجعلها تغطي كل المطـــارات المصريــة التي ابعــدت لهــا الطائــرات استعـــدادا لتقبـــل الضربـــة الاولى من اسرائيل بأقل الاضرار، كما فاتها معرفــة حصول اسرائيل على قنابل عنقودية تدمر ممرات الاقلاع ومــن ثم تصبح الطائــرات المصرية كالبــط الجالــس ينتظر الغارات عليه المرة تلو الاخرى حتى ينتهى منه.
■■■
انطلقت الطائرات الاسرائيلية صباح يوم 5/6/1967 للغارة على مصر، وارسل الاردنيون العاملون في رادار عجلون رسالة مشفرة متفقا عليها للقاهرة نصها «عنب، عنب، عنب» الا ان طرفا ما في الجانب المصري قام بتغيير الشفرة الليلة الماضية، كما تم ايقاف بطاريات الصواريخ والمدافع بسبب مصاحبة المشير عامر لوفد عراقي لزيارة مطارات سيناء، في الوقت ذاته أعلن الملك حسين دخوله الحرب وارسل للقيادة السورية يدعوها للقيام بعمليات هجوم مشترك على الطائرات الاسرائيلية العائدة من مصر دون وقود أو اسلحة حتى تتعادل الكفتان اي لا طائرات مصرية ولا اسرائيلية، الا ان القيادة العسكرية السورية ابلغت الاردن ـ بشكل جدي ـ بأن طائراتها تقوم بمهمات تدريبية استعدادا للحرب القادمة مع اسرائيل، واستمر ذلك الرد أو الردح حتى المساء عندما انتهت اسرائيل من القضاء على كامل الطيران المصري.
■■■
وكان بإمكان مسار التاريخ أن يتغير لو صمد الجيش المصري في سيناء وهو قادر على ذلك لأشهر عدة، الا ان الثعلب هيكل أقنع صديقه المشير عامر بإصدار قرار الانسحاب السريع في اليوم التالي للحرب من سيناء بحجة ان اصدقاءه العسكريين الفرنسيين المحيطين بالجنرال ديغول أخبروه بأن «الصحراء مقبرة لمن يدافع عنها»، وهو ما كتبه لاحقا في مقاله بـ «الاهرام»، كما أضاف ان الرئيس عبدالناصر قام بذلك عام 1956، وبالتالي سيسعده لو كرر المشير هذا الامر باسمه هذه المرة، وهو ما تم، ولو انتظر المشير قليلا لوصلت الطائرات سريعا لمصر من الدول العربيـــة ودول الكتلة الشرقية خاصة ان مصر لم تفقد الا 4% من طياريها، في الوقت ذاتـــه اعلنت وزارة الدفاع السورية في 9/6/1967 سقوط الجولان قبل ان تسقـــط، وقـــام كبار قادتهـــا بإرســال رسائل مشفـــرة لاسرائيل لتسلم الجـــولان دون حرب وحسب الاتفاق المسبق، وقد قامت سفينة التجسس الاميركيـــة «ليبرتــي» بالتقاط تلك الرسائل، فقام الطيران الاسرائيلي بضربها في وضح النهار بقصــد اغراقهـــا ودفــن الســر الرهيب معهــا.
■■■
آخر محطة: ما يدل على عدم تعلم الدرس من تلك النكبة الكبرى ما طالب به بعض قادة الاحزاب المصرية قبل ايام قليلة وبانفعال كبير بضرورة شن الحرب على إثيوبيا وضرب سد النهضة الحبشي بالطائرات، نسي هؤلاء وعلى رأسهم د.يحيى الجمل ان عملا كهذا سيعطي اثيوبيا المبرر الاخلاقي لضرب السد العالي ومن ثم غرق مصر بمياه بحيرة ناصر في الفيضان الاكثر تدميرا بتاريخ مصر.
صراع المنطقة المذهبي
ليس هناك صراع مذهبي، بالرغم من عشرات الضحايا الذين يلقون حتفهم باسمه في سوريا والعراق وباكستان يوميا، بل هناك صراع غبي!
يعتقد الكثيرون أن المنطقة معرضة لحرب مذهبية مدمرة وطويلة ستستمر لسنوات، وسيكون طرفاها هذه المرة ووقودها أجساد ودماء السنة والشيعة. ولكن زعماء الطرفين، ومن يؤججون مثل هذا النوع من الصراع لا شك اغبياء، أو أنهم أصحاب مصالح ضخمة في استمراره، وليس بينهم حتما من هو غيور أو حريص على عقيدته. فلو نظرنا عبر التاريخ، ومنذ الف عام على الأقل لوجدنا أن عشرات آلاف الصراعات الدينية التي نشبت بين كل أطراف المذاهب والديانات، وبالذات التي تسمى بالسماوية، نتج عنها هلاك مئات الملايين، ولكن لم ينتج عنها في نهاية الأمر فناء طرف أو خضوعه للطرف الآخر، الا مرحليا. ففي كل الأحوال يعيد الخاسر تنظيم صفوفه لينتقم لنفسه، وهكذا تستمر الحلقة الجهنمية الى الأبد! فما الذي يهدف اليه الشاب السني الذي يقوم بوضع حزام ناسف حول خصره وتفجير نفسه في جمع من المصلين الشيعة في العراق أو باكستان أو سوريا وغيرها، أو العكس؟ هل يعتقد هذا الانتحاري الغبي أن بعمله هذا سيفني الشيعة أو يقضي على السنة في باكستان أو العراق أو سوريا، أو أن يقرر الكاثوليك في ايرلندا وغيرها تغيير ديانتهم، أو أن يقرر حتى مستضعفو الروهنغا في بورما التخلي عن عقيدتهم، أو غير ذلك؟ لا طبعا، فالقتل لن يجر الا القتل، والمؤسف أن هناك دائما قتلة، وفي كل انحاء العالم، على استعداد لقتلي وقتلك وقتل انفسهم لاعتقادهم بأنهم مدفوعون بقوى ربانية للقيام بذلك، وأن مكانهم في السماء محفوظ، وهذا الوهم الذي نشأ ضمن محيط بشري كبير يصعب القضاء عليه بغير العلم، وفي هذا يقول عالم الأحياء البريطاني رتشارد داوكنز ان من يتوهم أنه نابليون مثلا يحتاج الى أدوات دعم كثيرة لإثبات صحة مقولته، لأنه منفرد ولا يتلقى دعما من غيره من العقلاء، أما من يتوهم أن عقيدته صحيحة فهو يسبح في بحر من المؤيدين لفكرته، وهذا التأييد الجماعي يعطي المؤمن قوة دعم ودفع كبيرة!
وفي معرض دفاع البعض عن عقيدة ما يقولون انها لا يمكن أن تكون خاطئة ان كان عدد المنتمين لها يتجاوز المليارين مثلا! وعندما تجيبهم بالقول ان هناك من يعتقدون بقدسية البقر وعدم ضربها أو تناول لحمها أو حتى دفعها عن الطريق العام، واستعدادهم لقتل الآخر والنفس دفاعا عن البقرة، يقارب عددهم المليار، فهل يعني ذلك انهم على حق؟ وبالتالي فعدد المنتمين لأي عقيدة لا يعني شيئا، لأنه نتيجة تكاثر طبيعي، وليس بالاختيار الرشيد، ولهذا نجد مثلا أن الشخص المنتمي للديانة الدرزية يولد ويعيش ويموت غالبا وهو من «الجهال»، بلا عقيدة أو علم أو معرفة بدينه، الا انه اختار طوعا أن يكون عاقلا ويأخذ أسرار العقيدة، وهنا يجب أن يكون قد تجاوز الأربعين من عمره، أي أصبح راشدا!
ان العالم حولنا قد تحول لقرية صغيرة، والعمر قصير، والأحقاد كثيرة، فلمَ نمضي وقتنا في كراهية الآخر، والتفكير في كيف نرسله للنار، بدلا من التركيز على فعل الخير؟ ولكن هنا ايضا ورطة، فقد يعتقد سني أن الخير في قتل الشيعي، او يعتقد الشيعي أن الخير في قتل السني، وهنا ستستمر عملية تحكم الموتى فينا الى الأبد!
أحمد الصراف
ترويض القبائل
في العقود الماضية كانت القبائل هي السور الواقي للسلطة التي عرفت كيف تستخدمها في تحقيق اهدافها وبسط نفوذها، وكان لشيخ القبيلة دور في ترويض الافراد لطاعة ولاة الامر، حيث كانت السلطة مصدر رزق لهؤلاء، فكانت النتيجة ان القبيلة ومن يتبعها يسيرون في ركاب السلطة ويدورون معها اينما دارت.
ولكن بعد ثلاثة عقود من العمل بالدستور تبيّن لابناء القبائل انهم كانوا يسيرون خلف سراب! اذ بعد كل هذه السنين وجدوا انفسهم يراوحون مكانهم بينما غيرهم سبقهم في كل المجالات الوظيفية والقيادية، واكتفى معظمهم بوظيفة مراقب في البلدية (مركز بلدية.. يداوم في زام العصر ثلاثمائة موظف) او هجان في «الداخلية» او غيرها من الوظائف البسيطة! لذلك حصل التمرد اول ما حصل في مجلس 1985، ثم بدأ التحول في توجه ابناء القبائل وتمردوا على مشايخ القبيلة واصبحوا يحددون توجهاتهم وفقا لمرئياتهم الى عام 1989، حيث شاركوا بكثافة في دواوين الاثنين، وتشرفت حينها بإلقاء محاضرة في ديوان الرمز عباس المناور تحت عنوان «مضى عهد الفداوية»، واصبحوا هم وقود المعارضة السياسية الى يومنا هذا. وقد حاولت السلطة عبثاً احتواء الموقف لكنها فشلت، حيث فلت الزمام من يدها، واصبح حليفها ينعت بالانبطاحية والتسلق كالطحالب! حتى وصلت الحال الى ان تخرج المناطق الخارجية فحول المعارضة واقطابها، ولم يتمكن اتباع السلطة والمحسوبون عليها من النجاح الا بشراء الذمم وفتح ابواب وزارات الخدمات لهم علّ وعسى ان يحافظوا على كراسيهم، لدرجة اني سمعت احدهم يقول انه تمكن من تسجيل اربعين طالب ضابط في وزارة الداخلية وحدها! وارسال اكثر من مائتي مريض او متمارض للعلاج في الخارج على نفقة الحكومة!
اليوم تسعى السلطة الى تدارك الوضع والاهتمام بالقبائل من جديد، وهذا شيء طيب ان تحرص القيادة السياسية على لم الشمل والتواصل مع جميع اطياف المجتمع، لكن مع الاسف ها هي الغلطة تتكرر وها هو التاريخ يعيد نفسه وها هو السيناريو الجديد يكتب باللغة القديمة نفسها!
اقول ذلك بعد تشرفي بحضور لقاء سمو الامير مع اخوانه وابنائه من قبيلة بني رشيد العبسية وبدعوة كريمة من شيخ القبيلة محمد مفرج المسيلم، وقد لاحظت ان كلمة الشيخ بن مسيلم كتبت له وفرضت عليه ليقرأها من دون تغيير! وقد كان واضحاً ان توجهاتها بخلاف «المود» العام للقبيلة وله شخصيا! فالولاء للاسرة لم يشكك فيه احد باستثناء اتباع السلطة الذين يقتاتون على تشويه صورة الآخرين، كما ان إلزام شيخ القبيلة باعلان رفضه لمطالب المعارضة السياسية هو تصرف غير حصيف ودليل على اننا لم نتعلم من الماضي، وتكرار عبارات الولاء المطلق يوحي بان هناك من يحمل خلاف حبه وولائه لاسرة الحكم، وهذا خلاف الحقيقة والواقع الذي طالما اكدناه، وهو ان انتقادنا لقرارات الحكومة لا يعني ابدا انتقادنا للحاكم. وخير ما قيل في هذا المقام ما ذُكر في مبادرة الاصلاح في البند الحادي عشر من المبادئ (… ان سمو الامير يبقى رمزا للدولة والوطن… وبالتالي يجب التفريق بين ذات الامير الرمز وبين قرارات الامير السلطة لتبقى الذات مع مسند الامارة فوق كل مساس ولتبقى القرارات قابلة لتداول الرأي…). ثم جاءت كلمة نائب رئيس مجلس الامة والتي هاجم فيها كل من لم يشارك في انتخابات الصوت الواحد ونسي ان شيخ قبيلته، الذي تحدث قبله، كان اول المقاطعين! وهكذا توحي لنا مجريات الاحداث اننا نريد الرجوع الى الماضي الذي تم رفضه والذي بسببه تحولت المناطق الخارجية الى مركز توليد لرموز المعارضة السياسية، وكأنك «يا ابو زيد ماغزيت»!
نصيحتي اليوم للسلطة ولكل من يهمه امر هذا المجتمع ان القبائل اذا تقدمت خطوة الى الامام فانها لن ترجع الى الوراء، وان شيخ القبيلة يمون على ابناء قبيلته اذا كان حرا طليقا، لكن متى ما شعر اتباعه انه مكبل اليد واللسان وان في فمه ماء، عندها لا طاعة له ولا ميانة، هذه الحقيقة الاولى. اما الحقيقة الثانية وهي ان هؤلاء المتزلفين الذين يقتاتون على المدح والذم فانهم لن ينفعوا السلطة بشيء الا بمزيد من التضليل والايحاءات الخاطئة! وحري بالنظام ان يتحرى الحقيقة من واقع الناس لا مما تكتبه تقارير الاستخبارات والامن! نصيحتي الثالثة والاخيرة وهي ان ابناء القبائل اليوم لا يريدون الا تطبيق القانون على الجميع والمساواة في الحقوق والواجبات من دون تمييز، وعدم اعتبارهم مواطنين درجة ثانية ما لم يكونوا من صنف «آمر طال عمرك وحنا عصاك اللي ما تعصاك».
محنة الدستور بمفهوم الضرورة
لم تشهد الكويت انتخابات حرة حقيقية بعد انتخابات عام 1963، فأعداء الديمقراطية في النظام كانوا لها بالمرصاد، فقد سارعوا إلى تفريغها من كل مقوماتها، حال وفاة راعيها، المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح، عام 1965، فزوَّروا انتخابات عام 1967 بشكل فج، وهدموا كل ركائزها، بتعليق العمل بقانون الانتخاب، ثم عبثوا بالتركيبة السكانية، وخلقوا نواب الخدمات، بتخريب الجهاز الحكومي، لتسهيل مهامهم في كسر كل القوانين لحل المشكلات المعيشية لأفراد الشعب، الذي وجد نفسه عاجزاً عن الحصول على حقه بالطرق المشروعة. متابعة قراءة محنة الدستور بمفهوم الضرورة
مجلس «أبولمعة» وإدارة الخواجة بيجو
الكارثة ليست استمرار هذا المجلس بعد حكم المحكمة الدستورية في ما لو قدر أن الحكم القادم سيمد عمر هذا المجلس، الكارثة تتمثل بإحدى صورتيها في استمرار النهج الفكري لهذا المجلس الخائب أو المجلس القادم سواء تحقق هذا النهج في إخراج مجلس "بوصوت" أو "بوصوتين" أو "بو أربع"، والصورة الثانية للكارثة هي أن تظل السلطة على جمودها وتراخيها في النظر للمسألة الاقتصادية، وان تستمرئ بقاء هذا المجلس أو المجالس القادمة مادامت لا تعي أبجديات الاقتصاد، ولا تقرأ بقلق المستقبل القريب، وتبقى تردد في ضميرها "الغائب" اليوم لي وغداً بعلم الغيب…!
الثنائي الكوميدي "أبولمعة والخواجة بيجو"، كان لهما "شو" خاص في ستينيات القرن الماضي، أبولمعة يكذب والخواجة يتظاهر بتصديقه بعد وقفات استغرابية مندهشة من جانبه، ثم يختم فاصل الكذب بينهما بكذبة أكبر يطلقها الخواجة بيجو لينهي حواره مع أبولمعة على ما أذكر.
يصح "شرعاً" أن نسمي هذا المجلس أنه مجلس "أبولمعة" حين يتعامى عدد من نوابه عن مواجهة الحقائق المالية، ويمارس هؤلاء النواب استغفال الناس والكذب عليهم، عندما يغطون أعين البشر بمناديل حريرية كي لا يقرأوا خارطة مستقبلهم ومستقبل أجيالهم.
الزميل بشار الصايغ يقرر مجدداً بجريدة "الجريدة" عدد أمس الأول، أن نواب المجلس يسعون إلى "تلميع" أنفسهم بجلسة اليوم، حين يدخل هؤلاء النواب في سباق مع الوقت لإقرار مشاريع قوانين "شعبوية" تصل تكلفتها إلى 1.8 مليار دينار، يعني أكثر من غرامة الداو عدة مرات، قلوب نواب مجلس "أبولمعة" ليست على العدالة الاجتماعية حين يطالبون بزيادة مخصصات علاوة الأولاد، أو التقاعد المبكر للمرأة، وزيادة بدل الإيجار، وغيرها من مشاريع استنزافية لميزانية الدولة المستنزفة أساساً "بهبشات" مافيات الفساد، فقلوبهم على أنفسهم وعلى مستقبل أوضاعهم السياسية في الأيام القليلة القادمة، فمعظم أبواب الإنفاق اللامسؤول التي يسعى إلى تحقيقها نواب "أبولمعة" ستذهب في تضخم أسعار العقارات والإيجارات والسلع، وستذهب كل تلك البلايين في بالوعة الهدر، بعد أن وضع عليها غطاء حاجات الناس المادية الملحة، وتلك تجارة من النوع الرخيص يمارسها عدد من نواب هذا المجلس اللادستوري.
قراءة بسيطة لميزانية الدولة حسب خطة التنمية تظهر أن عجزاً مالياً رهيباً سيصيب الدولة بعد عقد ونصف تقريباً، حين تزيد النفقات على الإيرادات، وتتبخر الفوائض المالية، بعد استنزافها مسبقاً بالإدارة السيئة للدولة، هي إدارة السلطة، والمجالس التي تخلقها السلطة ذاتها أو تعجز عن مواجهتها بحقائق الغد، مقتدية بحكمة "الهون أبرك ما يكون"، تلك الشاكلة من المجالس النيابية تمارس بشكل جيد دور "أبولمعة"، وبالتأكيد تقف معها على خشبة المسرح السلطة وهي تلعب دور الخواجة بيجو، فهل ننتبه لتلك الكوميديا المفجعة!
أنا والنسيان
استباقة: عندما انهيت كتابة هذا المقال، تبين لي أنني ربما كتبت شيئا يماثله! اكتشافي المتأخر بين أن ذاكرتي بدأت تضعف، وبالتالي أصررت على نشر المقال، بدلا من التخلص منه، فنسيان موضوعه أكد مدى حاجتي للقراءة أكثر في هذا المجال.
نشكو جميعا، بدرجة او بأخرى، من النسيان، والمشكلة تتعقد اكثر مع التقدم في العمر، الى أن يتحول النسيان للخرف! وبالرغم من انتشار المرض بين كبار السن، وحتى بين الأقل من ذلك بكثير، فان الطب الحديث لم يجد طريقة فاعلة لعلاجه لتعلق الأمر بتلف أكثر مناطق المخ دقة، وهي خلايا الذاكرة، ولكن بالامكان التخفيف من آثار ومخاطر هذا المرض الخطر باتباع خطوات محددة تختلف من شخص لآخر حسب البيئة والظروف. فعلينا مثلا عدم التقليل من أهمية توقف تدفق الدم بسهولة للقدمين. فمن يشكو من هذا العارض عليه توقع مشاكل مع القلب والذاكرة مستقبلا، ومراجعة الاختصاصي ضرورية هنا. كما علينا الاكثار من الاطعمة المضادة للسموم كالخضار والفواكه وأهمها التوت الأسود، الكشمش، البلوبريز والبلسان أو «الدربريز»، كما علينا تجنب الأغذية المحضرة بزيوت مشبعة، فتأثيرها خطر على خلايا المخ. ومعروف علميا بأن المخ يبدأ حجمه بالتضاؤل عندما نصل للثلاثين او الاربعين، ولا يوجد شيء يزيد من حجم المخ كتعلم شيء جديد كل يوم من خلال التجربة والمغامرة والمطالعة المستمرة. كما يجب أن نوسع من دائرة معارفنا وأصدقائنا ونختلط أكثر بالآخرين، فالوحدة من مسببات الخرف. وحيث ان النساء تزيد اصابتهن بالمرض (%68) فإن عليهن تعويض ما يفقدن من هرمون الاستروجين، المنشط للذاكرة، والتعويض يجب أن يتم في الفترة السابقة لتوقف العادة. كما علينا الاكثار من الكوليسترول الحميد من خلال ممارسة الرياضة والتقليل من المشروبات «القوية»، والاهتمام بتنزيل الوزن. كما علينا اجراء فحص دم لمعرفة اذا ما كنا قد ورثنا جينا يسمى apolipoprotein E4 فوجوده يتطلب اتخاذ اجراء فوري لمراجعة اختصاصي! كما ينصح بتناول القهوة والشوكولاتة السوداء. ومن المهم أن نراقب أوزاننا فهبوط الوزن تلقائيا بعد الستين مؤشر غير صحي، وعلينا مراجعة الطبيب في حال استمرار فقد وزن غير مبرر. كما على غير المسلمين تناول قدح من النبيذ الأحمر يوميا… ان وجد! ومن المهم التغلب على حالات الضغط النفسي، ضمن الأسرة او العمل. والاهتمام بأمراض الفم، فاللثة المريضة تتسبب في أحيان كثيرة في تسمم الدماغ. كما علينا تناول فيتامين B12 بناء على نصيحة طبية. كما ينصح الخبراء بتناول الخل، بكل أنواعه، ان باضافته للسلطة أو اضافة الملح له وتناوله أو اضافته للماء. كما أن بودرة الكاري فعالة في محاربة مرض النسيان. كما أن المصابين بالسكر معرضون أكثر من غيرهم للاصابة بالخرف!.
****
ملاحظة: لم ترد الفتاة الكويتية ولا وكالة الأنباء، «كونا»، على ما ذكرناه عن خلو خبر الوكالة المتعلق بفوز الفتاة برئاسة لجنة تحكيم دولية تابعة للاتحاد الأوروبي، ومقرها.. قطر، خلوه من المصداقية! وسكوت الوكالة دليل آخر على خرابها!.
أحمد الصراف
المزدوج الأكبر… رسَت فدقّ لها
عزاؤنا لعشاقه المصريين ومريديه الكويتيين ومحبيه العرب قبل أن نعزي أسرته الصغيرة، وما أكثر عشاقه ومريديه ومحبيه، وما أكثر من احتضنهم ورعاهم وسقى نبتهم وأعطاهم من شمسه إلى أن ضربت جذورهم في باطن الأرض، وأزهروا وطرحوا ثمارهم… وأشهر من تبناهم كان "الفاجومي" الشاعر أحمد فؤاد نجم وصديقه المغني الشيخ إمام، ولن أكشف سراً إن قلت إنه هو من تكفل بهما مادياً، وغطى ظهريهما ليتفرغا للإبداع، وكان نافذتهما إلى المجتمع، بعد أن كانا محارَبين وممنوعَين من الظهور في وسائل الإعلام، إذ حوّل شقته في مصر إلى نادٍ أدبي يجتمع فيه مثقفو مصر والكويت على قصائد وألحان الفاجومي وإمام.
ارتحل صاحب أشهر عمود ساخر في الكويت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وأكثر الكتّاب تأثيراً آنذاك، على أنه بخلاف من أطغتهم الشهرة فانتفخوا غروراً، كان وهو في عز شهرته يتبنى المبدعين الشبان ويرعاهم ويقدمهم إلى الفضاء، ومنهم الزميل حسين العتيبي مستشار رئيس تحرير هذه الجريدة، ومطلق مساعد العجمي، وعبد الله المحيلان، وآخرون كثر.
ما كان يخشى من أن يحظوا بنصيب من الشهرة والأضواء فينافسوه، ولا كان يخشى أن يجحده جاحد، ولا يمتلك مثل غيره دفاتر للربح والخسارة… كان يمشي في الحياة بمبدأ "مطرح ما ترسي دقّ لها" كما يقول المصريون.
قلبه منقسم بين الكويت ومصر. هو أكبر المزدوجين، عشقاً وولاءً، وأجملهم. هو الصعلوك الأبهى. هو عاشق مصر بأحواشها وأزقتها وحواريها وصالوناتها الأدبية وألحانها وفولكلورها. هو كاسر العادات والتقاليد التي لا تسمن. هو كاره الوحدة، إذ يستحيل أن تراه بمفرده، فإن زرته وجدته محاطاً بمريديه الشبان والشيبان، وإن زارك جاء وبصحبته ما لا يقل عن ثلاثة في أضعف الأحوال، ليبادرك بحماسته الطفولية: "هذا السمين الوسيم هو عم "عب فتاح" الفكهاني، وآخ لو تسمع صوته يا وشيحي، أحلى من فواكهه، وهذا عم هريدي حارس النادي، صاحب أجمل نفَس في الطبخ، وهذا د. يوسف أستاذ جامعي في النقد الأدبي"…
عاشق الحياة، الزميل الساخر سليمان الفهد، الذي كانت هذه الجريدة آخر محطات قلمه… ودع الحياة، ودع معشوقته، بعد أن رست سفينته فدقّ لها، وطوى شراعها، ولوح لنا بيده، وتوقفت دندناته وقفشاته، فأطرقنا حزناً وصمتاً وحباً وذكرى.
حقاً كيف نمنع كارثة داو ثانية؟!
تصاحبت عملية خسارة شركة البتروكيماويات النفطية الحكومية مع خسارة لا تقل فداحة عنها لشركات مساهمة خاصة مرتبطة كذلك بالقطاع النفطي ويملكها بشكل مباشر عشرات آلاف المواطنين ممن تبخرت أمام أعينهم مدخرات عمرهم بين يوم وليلة وبعد أن هبطت أسعار تلك الشركات من دنانير كثيرة إلى فلوس قليلة لا تكفي لشراء.. علبة علكة تبعد الروائح الكريهة!
***
السبب الرئيسي لكارثة الداو والكوارث الأخرى التي صاحبتها آنذاك مثل مشاريع حقول الشمال والمصفاة الرابعة وتحديث أساطيل الكويتية.. الخ، والتي تجاوزت خسائرها مجتمعة وفرص أرباحها الفائتة ما يقارب المائة مليار دولار، هو تدخل غير المختصين في قضايا شديدة الاختصاص مثل البترول والطيران.. الخ، مستخدمين الشعارات الزائفة المعتادة مثل «محاربة الفساد» و«سرقة القرن» والتي اعتدنا على ان أكثر من يصدح بها هو.. الغارق فيها حتى النخاع!
***
وما دمنا في موضوع مكافحة الفساد والأجهزة المعنية به فنسأل: هل يجوز أن يستغل البعض موقعه لإعطاء موظفات يحضرهن معه للمسؤولين علاوات ومكافآت لا يستحققنها ومحاولا رفع العقاب عنهن، وإذا ما رفض المسؤولون المصلحون المحافظون على المال العام تلك الممارسات بدأوا بالتهديد والوعيد واستغلال المناصب العامة لإنجاز المصالح الخاصة حتى لو على حساب المال العام؟
***
آخر محطة: (1) هل يجوز ونحن بصدد مكافحة الفساد أن يتقدم أحد بعطاءات وهمية وكاذبة بقصد الحصول عن طريق الخداع والتحايل على مئات ملايين الدنانير؟!
(2) كيف لمن يحاول خداع الناس بمظاهر التدين من حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم «أنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد».
(3) للعلم السجون مليئة بالصغار ممن تحايلوا للحصول على دنانير قليلة فكيف يمكن السكوت عن هؤلاء الكبار؟!..لست أدري.
غابة الكويت
الغابة مكان مناسب للكثيرين، فلا طرق ولا إشارات مرور ولا قوانين ولا شرطة ولا تفتيش، ولا انضباط ولا دوام، والبقاء فيها للأقوى! والكويت تحولت إلى ما يشبه الغابة، بفضل سيطرة قوى الصحوة الدينية المزيفة خلال الثلاثين سنة الماضية على مقدراتها، برضا السلطة أو بصمتها! فقد اكتشفنا فجأة أن هناك عشرات آلاف من مخالفي الإقامة، وسهل جدا القبض عليهم! كما فوجئنا بوجود المئات الذين يقودون مركباتهم من دون إجازة قيادة، وتم القبض عليهم بسهولة! واكتشفنا أن هناك مجرمين فارين من وجه العدالة وأصحاب سوابق بيننا، وهؤلاء أيضا القي القبض عليهم! كما اكتشفنا فجأة أن الجريمة منتشرة في البلد وأن الآلاف تم إنهاء إقاماتهم وترحيلهم إلى بلدانهم! واكتشفنا أن الآلاف يعملون في ورش مشاريع حكومية حيوية، من دون ان يكونوا على كفالة من يعملون لديهم، وتم شحنهم لمراكز الإيواء والإبعاد! يحدث ذلك وكأنها أمور مستجدة، ولم تصبح عرفا مفروغا منه! إننا لا نعترض على إجراءات الحكومة، بل نؤيدها، فوجود «خراب الصحوة» منذ سنوات لا يبرر السكوت عنه، ولكن هذا الخراب وجد بسبب فساد الجهاز الحكومي، وهو الذي يتطلب العلاج وليس الشارع! وبالتالي أتوقع ان تنتهي كل هذه الحملة إلى…. لا شيء! ففي نهاية الأمر سينجح صاحب الواسطة ودافع الرشوة في تعديل وضعه وإخراج عماله من السجن ووقف ترحيلهم والحصول على ما يريد من إقامات وغير ذلك، وعلى العاجز التوجه لجهة يتناول فيها «تبنا» ويسكت. لقد توقعنا هذه الموجة العاتية من الانفلات الأمني بسبب سياسات الأمن والتجنيس الفاشلة التي عجزت على مدى أكثر من 60 عاماً عن خلق استقرار «بشري»، فلا تزال مشكلة «البدون»، ومنذ عام 1965، تتفاقم وتكبر وتتضخم من دون ان تجد أي لجنة حلا لها، وكنا خلال الفترة نفسها ننجح دائما تقريبا في إيجاد الحلول لأعقد مشاكل الدول الشقيقة والصديقة، ولكننا نسينا انفسنا! ومنذ سنوات وبعض رجال الأمن يرتكبون الجرائم ولهم يد ورجل في تهريب كل مطلوب عبر الحدود، والاعتداء على الموقوفين في المخافر، والتستر على مخالفي الإقامات ومشاركتهم في أنشطة مشبوهة، والصحف تزخر يوميا بمخالفاتهم الجسيمة وجرائمهم، ولم يفكر وزير داخلية واحد في غير توقيع العقوبة على رجل الأمن المتورط، ربما إن لم تكن لديه واسطة، من دون التقدم خطوة والبحث عن جذور هذا التسيب داخل الجهاز الأمني الذي لا شك يزخر بالكثير من الشرفاء والمخلصين! لقد كنت ضحية غير مباشرة لأكثر من عملية سرقة وسلب تحت تهديد السلاح، ضمن محيط بيتي، خلال الفترة الماضية، والمعلومات متوافرة لدي، وهاتف مخفر المنطقة لا يرد، والذهاب له بهدلة لا ترضاها النفس الأبية! إننا حقا بحاجة ماسة لفلسفة أمن جديدة وفكر جديد، فلا يعقل بقاء كل هؤلاء الشباب من عديمي الجنسية معلقين من دون عمل في دولة بكل هذا الثراء النقدي، ولا يزال بعضهم ينتظر منذ نصف قرن تعديل وضعه. إن الحملة الأمنية الأخيرة كانت أمرا مستحقا منذ ثلاثين عاما، والخوف أن تكون بالونا مؤقتا سرعان ما سينتهي برشوة أو واسطة.
أحمد الصراف