عقدت قبل أيام في «كيب تاون» بجنوب أفريقيا ندوة إعلامية أدارها مذيع محطة CNN الأشهر شارلز كريست طرح خلالها دور رؤساء ومديري شركات الطيران في حال وقوع الكوارث، وكانت لنا مداخلة ذكرنا له فيها أن البحث عن الأرباح الصعبة في عالم الطيران جعل ذلك القطاع يدار في كثير من الاحيان من قيادات لا تملك ادنى فكرة عن مبادئ الطيران أو علوم السلامة فيه، لذا فهي غير مؤهلة للحديث مع وسائل الإعلام عند وقوع الطوارئ، بل ان البعض من هؤلاء المديرين وصل لقناعة بأن الحل الأمثل لمشاكل شركات الطيران هو.. بطرد كل الطيارين وبيع كل الطيارات!
* * *
وما دمنا في ربحية شركات الطيران فقد اظهرت الاحصائيات ان شركات الطيران نقلت العام الماضي 12 مليار راكب، وكان مجموع ارباحها 2.5 مليار دولار اغلبيتها المطلقة من السوق الاميركي، وبعملية حسابية بسيطة نكتشف ان معدل الربحية للراكب في قطاع الطيران هي 4 دولارات لكل مسافر تم نقله في العام الواحد، اي ما يقل عن قيمة شطيرة همبورغر، وكان تعقيبي على تلك المعلومة بأن على «الاياتا» ان تضغط كي تصدر الأمم المتحدة قرارا تحت البند السابع يفرض على الدول دعم ـ لا محاربة ـ شركات طيرانها بعد ان يتم تصنيفها بأنها من.. المخلوقات الضعيفة المتجهة للانقراض!
* * *
وبلغت خسائر الطيران الأوروبي للعام الماضي 1.5 مليار دولار، وتعرضت 50% من المطارات الاوروبية الرئيسية لخسائر مالية فادحة، وفي المنطقة العربية والخليجية تعرضت اغلب شركات طيرانها لخسائر بمليارات الدولارات بسبب ارتفاع اسعار الوقود الذي يقارب 42% من كلفة التشغيل إضافة الى الأوضاع الأمنية غير المستقرة في المنطقة العربية وإيران والتي اضيفت اليها مؤخرا تركيا، بالطبع بعض الدول التي اختارت ان تصبح مراكز مالية عالمية في المنطقة لا تمانع تلك الخسائر، وإن كانت لا ترغب بها، كونها تربح في النهاية المليارات مما يصرفه المستثمرون والسائحون في بلدانها.
* * *
في الخلاصة، كان من الأفضل في الكويت ان يكون قطاع الطيران «آخر» من يتم خصخصته لا «الأول» لصعوبته، وفي هذا السياق تمتلك جميع الدول الخليجية والعربية ودون استثناء شركات طيران وطنية «بالكامل» رغم خصخصتها عشرات ومئات القطاعات الأخرى، وذلك بهدف خدمة الأهداف الاستراتيجية للدول كحال التحول لمشروع المركز المالي، ان المهم ان تدار جميع القطاعات بالدولة بكفاءة وأمانة والحرص على الحفاظ على المال العام وتغطية المصاريف والتحول للربحية كي لا تصبح القطاعات مكلفة على الدولة ان بقيت ضمن ملكيتها اختيارا او اضطرارا او لتسهيل عملية بيعها عندما ترغب الدولة في ذلك، فلا توجد تجربة واحدة تظهر ان المستثمرين يشترون الشركات المثقلة بالخسائر والعمالة الفائضة والأساطيل القديمة.
* * *
آخر محطة: (1) بقيت «الكويتية» معروضة للبيع منذ عام 2008 دون ان يتقدم احد لشراء الحصة فيها رغم ان خسائرها وعمر طائراتها آنذاك كان اقل كثيرا من الحال التي تسلمناها فيها قبل اشهر قليلة ماضية.
(2) لا يوجد بديل على الإطلاق عن عملية تحديث أساطيل «الكويتية» المستحقة منذ سنوات طويلة ماضية، والمسؤولية جسيمة على من يحارب هذا التحديث، فحالنا كحال جميع شركات الطيران في المنطقة وخارجها التي تجدد اساطيلها كل سنوات قليلة دون اعتراض وبقصد الربحية.
(3) القسم الدستوري ينص على الحفاظ على الأموال العامة، لذا لا تصح معه الدعوة لشراء الطائرات الأعلى ثمنا في الشراء والتأجير والتشغيل والأقدم عمرا، والتي تعاني من اشكالات فنية لا تعاني منها منافستها!