الحند لله، كما تقول خالة عمرو طاهر، أن كل ما قيل عن الاتفاقية الأمنية الخليجية مجرد ترهات يثيرها دعاة الفوضى (بالإذن من المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية صاحب حقوق هذه الجملة).
قيض الله لي وقرأت الاتفاقية الأمنية الخليجية (سأختصرها تمخ) فما وجدت فيها ما يحظر تناول القهوة في فنجان أبيض، ولا حتى في فنجان شفاف، ولا أي لون، وها أناذا أكتب المقالة وأتناول قهوتي في فنجان أبيض بخطوط سماوية مائلة، ولم يقبض علي أحد. يا ما أنت كريم يا رب.
قلّبت الصفحات ومواد القوانين فما وجدت مادة تحظر الغناء بصوت عال في المخيم مع الأصدقاء والندماء، ولا أية مادة تحظر "جر الصوت" وأنت مستند بظهرك إلى خيمة من ماركة النمران، ولم أجد ما يمنعني من مجالسة سعد العجمي وسعود العصفور، وتناول الفطائر معهما في ليالي الشتاء. أصلاً لم ترد جملة "ليالي الشتاء" من الأساس، لا في ديباجة الاتفاقية ولا في ثناياها، فديت ثناياها.
نفضت الاتفاقية نفضاً مبرحاً، ورفعتها أمام الشمس، فما وجدت فيها ما يعاقب على الاستماع إلى أغنية "نسم علينا الهواء من مفرق الوادي" ولا "يا دارة دوري بينا ضلك دوري بينا، تا ينسوا أساميهن وننسى أسامينا" ولا أي أغنية لفيروز. أي والله.
أعدتُ قراءة الاتفاقية، فما رأيت فيها ما يمنعني من مداعبة ولدي سعود "بو عزوز" ذي الجبهة المترامية الأطراف، ولا ما يمنعني من تبادل اللكمات معه، أو حمله على كتفي، أو التسابق معه على الدرج. ولم تحظر الاتفاقية استهبال بو عزوز عندما يختبئ خلف الكنب، فأتظاهر بالبحث عنه، وأتساءل عن مكانه، فيرد علي بصوت شرطي "أكبر قوي" ليخبرني أن سعود "ركب الطيارة وراح فوق". صدقاً، الاتفاقية لم تمنع الأطفال من الاستهبال أو العبط.
قلّبتُ وفتّشتُ، بصّرتُ ونجّمتُ كثيراً لكني لم أقرأ أبداً (بالإذن من نزار قباني) اتفاقية بهذه الوداعة والرومانسية، وسأقسم بالله قسماً غليظاً أنني لم أقرأ فيها ما يفرض تقبيل أيادي أبناء الحكام ولا كتوفهم (لست متأكداً من تقبيل البطون). ويا ما أنت كريم يا رب… كل هذه الأمور مسموحة، فاستمتعوا وامرحوا وارقصوا، بالإذن من معمر القذافي صاحب القبضة الأمنية الأشهر.
اليوم: 30 ديسمبر، 2012
شارع باسم الجنرال نورمان شوارزكوف
بعض شبابنا الكويتي الاقل من عشرين عاما لم يعش تفاصيل كارثة الكويت الكبرى عام 90-91 عندما اختفى بلدنا في ليلة ظلماء بسبب قراءة صدام الخاطئة للتجمعات والتظاهرات والمسيرات والمصادمات في الكويت، وهو من في قلبه غل وحقد خاف، فأرسل جيشه لدعم الثورة التي قامت ضد الأمير! كما أتى في بيانه الكاذب الأول الذي تلاه الإعلان عن تشكيل حكومة الكويت الحرة المؤقتة وتحول دولة الكويت الى جمهورية الكويت (ما فائدة التاريخ اذا لم نتعلم منه كي لا نكرر أخطاءنا.. وما أكثرها؟!).
***
ولد نورمان شوارزكوف بولاية نيوجرسي الاميركية في عام 1934 من عائلة عسكرية ذات أصول ألمانية، حيث تخرج والده في كلية ويست بوينت الشهيرة وشارك في الحربين الاولى والثانية، وعاش وخدم في السعودية وإيران، كما تخرج ابنه نورمان في نفس الكلية وشارك في حرب فيتنام وغرنادا، وضمن القوات الاميركية في ألمانيا، واشتهر بمسمى الدب الأميركي، ويعتبر من ألمع كبار القادة العسكريين الاميركيين في القرن العشرين أمثال دوغلاس مكارثر وباتون وأيزنهاور.
***
في عام 1982 وبعد انسحاب قوات صدام من إيران والاعتقاد السائد بأن الحرب العراقية ـ الايرانية ستنتهي آنذاك، التقى شوارزكوف مع الصحافيين الأميركيين على البارجة «لاسالا» ومما قاله حينها انه لا يعلم نوايا صدام الحقيقية، الا انه يعلم أن قدرات جيشه تؤهله لغزو الكويت بالكامل وتهديد دباباته حقول النفط في المنطقة الشرقية للسعودية، وليتنا كنا نقرأ ونستعد ولا نقوم بما يسهل للذئب الغادر عمله.
***
في عام 1988 رقي شوارزكوف إلى رتبة جنرال وأصبح قائدا لـ «السنترال كوماند» المسؤولة عن منطقة الشرق الاوسط ومركزها تامبا في الولايات المتحدة، وفي عام 90 قرر خلق لعبة حرب اسمها «انترلوك 90» مضمونها كيفية التعامل مع غزو صدامي كامل للكويت وتهديده لحقول النفط السعودية (ليتنا كذلك كنا نتابع ونقرأ ونحلل ما يجري حولنا ولا ننشغل دائما بمشاكل الداخل)، وقد أبدع الجنرال شوارزكوف في كيفية التعامل مع الغزو الصدامي، حيث طبق خطة «درع الصحراء» لحماية المملكة ثم «عاصفة الصحراء» لتحرير الكويت بأسرع وقت وأقل كلفة، معتمداً على خداع القوات الصدامية وجعلها تنتظر قدوم قواته من البحر شرقا، بينما كانت قواته والقوات الانجليزية جرذان الصحراء تنطلق عبر الصحراء غربا لعزل القوات الغازية شمال البصرة فيما سمي بخطة «اللفت هوك».
***
وكعادة القادة العمالقة والعباقرة لم يسم الراحل الكبير شوارزكوف نفسه ببطل أم المعارك الخالدة أو بطل الحرب والسلام، بل تقاعد في صيف 1991 وكتب في العام الذي يليه كتاب ذكرياته عن الحرب في 500 صفحة والذي أسماه «الأمر لا يحتاج الى بطل» ثم عمل محللا عسكريا لقناة NBC الأميركية وأصيب بسرطان البروستاتا وكرس باقي حياته لأعمال الخير والتوعية من أخطار مرض السرطان حتى وفاته، ويا لها من سيرة عطرة تستحق أن تدرس في المدارس.
***
آخر محطة: (1) كي لا نتهم بنكران الجميل أو ضعف الذاكرة، نرجو أن يسمى الشارع الرئيسي المقابل لمعسكرات الجيش باسم الجنرال نورمان شوارزكوف، وهذا أقل ما يمكن أن نفعله لمن ساهم في إرجاعنا بأسرع وقت ومنع تحولنا الى قضية لاجئين ومهجرين دائمة أخرى.
(2) نحذر مرة أخرى من تأثير اضطرابات الداخل على.. إضعاف موقفنا في الخارج.. فالعقل العقل والحكمة الحكمة.. فلن تسلم الجرة في كل مرة!
كوارث مجتمعية وهندسية
أعتقد شخصيا أن نسبة عدد المهندسين الى عدد السكان، في أي دولة، مؤشر مهم جدا على مدى تقدم او تخلف تلك الدولة، والكويت كالعادة الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة. فقد تبين من احاديث المشاركين في المنتدى الهندسي الأول ان في الكويت 32 الف مهندس اعضاء في جمعية المهندسين، هذا عدا آلاف غيرهم من غير المنتسبين. وهذا الرقم كفيل بجعل الكويت جنة هندسية وتحفة معمارية، ولكن العكس هو الصحيح. والأسباب كثيرة، فعدد لا بأس به من هؤلاء يحملون شهادات مزورة، او على الأقل صادرة من جامعات غير معترف بها! وورد في المنتدى أن لجنة بوزارة التربية أجرت دراسة أثبتت وجود تلاعب في 6422 شهادة هندسية «مستوردة» من الخارج. كما أن وزارة التعليم العالي لا تتبع في مخرجاتها حاجات سوق العمل، ففي عام 2012 مثلا كان هناك 1100 طالب تقريبا يدرسون الهندسة، %3 منهم فقط في العمارة وهي الجانب الأكثر اهمية في الكويت. ونتيجة هذه اللخبطة والتسيب الاداري والمحسوبية والخش والدس الحكومي والديني سمحت الدولة قبل سنوات حتى للمهندس الميكانيكي بفتح مكتب هندسي، وتحمل مسؤولية التصميم والاشراف على مئات المباني المتخصصة والسكنية والخطرة، ووضع توقيعه عليها متحملا كامل المسؤولية، في مخالفة لأبسط القواعد المعمول بها في العالم، وقصة زميلنا الذي تفاخر يوما بوجود أكثر من 200 مهندس في مكتبه، وهو الميكانيكي، معروفة. ولو حاول أحد تفحص «حقيقة» شهادات من تولوا رئاسة جمعية المهندسين في السنوات القليلة الماضية لوجد العجب، فكيف قبلت الفئة الأكثر حرفية من «مهندسينا»، في هيئة مدنية بمثل هذه التقنية العالية، تسليم مقاليد جمعيتهم لمثل هؤلاء؟ ولكن مع من نتكلم نحن؟ ولو عبرنا المحيطات ونظرنا لجامعة هارفارد الاميركية لوجدنا أنها استطاعت على مدى سنوات الاحتفاظ بمكانتها كأفضل جامعات العالم، ولكن على الرغم من شهرتها ومكانتها العلمية المرموقة فانها لم تسلم من الفضائح، كما أنها كانت لفترة على علاقة بالمخابرات الاميركية المركزية، وربما لا تزال كذلك، حيث كان لها، ولبضع جامعات اميركية اخرى، دور في التعاون مع برامج حكومية سرية لقبول ابناء رؤساء وحكام بعض دول العالم، المتردي منها بالذات، للدراسة فيها رغم معدلاتهم الدراسية والاستيعابية المنخفضة، وبالتالي الدفع بهم لاجتياز الاختبارات النهائية بسهولة، ومساعدتهم في الحصول على أعلى الشهادات من دون جهد كبير. وتكمن فائدة هذه الطريقة أو الأسلوب في أن هؤلاء سيتولون يوما أعلى المناصب في دولهم وسيكون لهم تأثير ايجابي كبير في الجامعة التي قامت بتسهيل حصولهم على شهاداتها، خصوصا أنهم لن يعملوا في شركات اميركية ولا ادارات غربية وسيبقى «خمالهم» ضمن دولهم. وقد قام مسؤولو هذه الجامعة في نوفمبر الماضي بالتحقيق في مزاعم، تبين انها حقيقية، عن قيام 125 طالبا بالغش في اختبارات نهاية العام، وتم اتخاذ الاجراءات بحقهم!
ان انكشاف مثل هذه الحوادث ليس عذرا لنا لاستمرارنا في هذا الوضع المؤسف، ففي الغرب هناك شجاعة للاعتراف بالخطأ، كما أن لديهم الآلية لمعالجة أخطائهم، فهل لدينا حتى القدرة لأن نتكلم عنها؟
أحمد الصراف
العزة للإسلام
لفت نظري عبارة وردت في مقال الزميل احمد الصراف في القبس عدد امس، حيث قال ان الباحثين في علم السكان لفت نظرهم تزايد عدد الملحدين في العالم إضافة إلى ما قرره من أن النسبة الأكبر بين البشر من النصارى!
ونحن كمسلمين لن نفاجأ بهذه المعلومات لانه من المعلوم لدينا أن أكثر أهل الأرض على غير ملة الإسلام حسب ما قرره القرآن وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: «وَإ.نْ تُط.عْ أَكْثَرَ مَنْ ف.ي الْأَرْض. يُض.لُّوكَ عَنْ سَب.يل. اللَّه.»، مما يؤكد أن عقيدة أكثر البشر الذين يعيشون على سطح الأرض مخالفة للفطرة وللاوامر الإلهية! ولله في ذلك حكمة قد لا نراها اليوم، لكنه سبحانه قادر على أن يهدي كل الناس للإسلام ان شاء «لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَم.يعًا»، لكنه سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأعطاه العقل الذي يميز به بين الحق والباطل «إ.نَّا هَدَيْنَاهُ السَّب.يلَ إ.مَّا شَاك.رًا وَإ.مَّا كَفُورًا»، «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْم.نْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، لكنه بالنهاية يتحمل تبعية قراره!
وقد يتساءل أحدنا : يعني معظم هالناس اللي في أوروبا وأميركا في النار وبس إحنا اللي بالجنة؟؟! ويجيب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم:- «نصيب جهنم من كل ألف نفس تسعمائة وتسع وتسعون وواحدة بالجنة»!! ولذلك كانت الدنيا جنة للكافر وسجنا للمؤمن! فهي جنة له مقارنة لما سيواجه بالآخرة من عذاب، وسجن للمؤمن لما سيلقى من نعيم ينتظره هناك! ومع هذا فقد أمر الله المؤمنين بعمارة الأرض بالدعوة إلى عبادته وطاعته وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاستمتاع بها وفقا للضوابط التي قررها الشرع «وَابْتَغ. ف.يمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخ.رَةَ وَلَا تَنْسَ نَص.يبَكَ م.نَ الدُّنْيَا» ولذلك كره الإسلام المبالغة بالتصوف واعتزال الناس وقال الرسول الأعظم «الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم».
خلاصة القول، ان العبرة ليست بالكثرة، فرب مؤمن موحد لله عن أمة كاملة في ميزان العدل الالهي! ورب جمع غفير مشرك بالله لا يسوى عند الله جناح بعوضة! لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل من هم يا رسول الله؟ قال الذين يصلحون إذا فسد الناس»، وها نحن اليوم نعيش بعضا من أجواء الغربة هذه حتى اصبح الالتزام بالإسلام جريمة يعاقب عليها القانون، واصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسخرة من البعض، وصار المسلم يستحي من الإفصاح عن عاداته وتقاليده وانطبق علينا قول الرسول الكريم «يأتي زمان يصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر»!! وبالمقابل صرنا نسمع ونشاهد من يتجرأ بقول المنكر وفعل الفواحش من دون رادع من دين أو خلق أو حتى قانون، وكيف نستغرب ولدينا نواب في مجلس الأمة نتوقع منهم في القادم من الأيام التجرؤ على ثوابت المجتمع وتقاليده والإتيان بكل ما هو دخيل علينا، وها هو اول الغيث اعتراض من أحدهم باعتبار حفظ القرآن من السلوك المستقيم اللازم للعفو الأميري للسجين!!
واسأل الله ألا نعيش اليوم الذي نشاهد فيه الناس يسحبون للسجون بتهمة التزامهم بدينهم.
قال صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لينصرن الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز به الدين أو ذلا يذل به الكفر»، وقال تعالى «وَالْعَاق.بَةُ ل.لْمُتَّق.ينَ». صدق الله العظيم.
صرخة الأدباء العرب المكتومة
بقدر ما أفرح البيان الختامي للمؤتمر العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الكثيرين يوم الأربعاء (25 ديسمبر/ كانون الأول 2012)، بقدر ما أحسست، كما أحس الكثيرون أيضاً، بأن في «بيان الحريات» صرخة مكتومة موجعة!
ولربما جاء المؤتمر الذي استضافته البحرين في الفترة من 22 حتى 25 ديسمبر 2012 في نسخته الخامسة والعشرين، كفرصة سانحة لأن يسجل المشاركون موقفاً للتاريخ، ويطلقون تلك الصرخة التي لم تكن مكتومة بقسوة خلال العامين الماضيين في ظل ثورات الشعوب فحسب… بل كانت مكتومة منذ عقود من الزمن.
كنا على الدوام ومنذ سنين طوال، نسمع، في التصريحات وفي الكتابات الصحافية وفي الديباجات العظيمة المنمقة للحكام والرؤوس الكبيرة؛ أن الأدباء والكتاب والمفكرين هم نخبة الأمة وحصنها، وهم الذين يبنون نهضتها بفكرهم، وهم وهم وهم… بل حتى البيان الختامي ذاته لم يخلُ من مثل تلك الديباجة (وإن بصياغة قلَّ نظيرها) كما في هذه الفقرة نصّاً: «وتأسيساً على حرية الكتاب والأدباء وجمهرة المبدعين من حيث سياق الإبداع الأتم، وضرورة الوعي والكتابة؛ فإن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، يرى في الحرية فضاءً لما يحقق الخير العام الذي يجد في صميم الحرية ضمانة لتوسيع الجماليات في منازلة القبح والانكسار و(السقوط الكابي) والمريب».(انتهى الاقتباس).
الحرية كما يراها المثقفون هنا، تواجه في صميمها القبيح وتنازل السقوط الكابي! والكابي بحسب المعجم الوسيط، هو التراب الذي لا يستقر على وجه الأرض أو الفحم الذي خمدت ناره، ولعل استخدام مثل هذه المفردات، يعكس حقيقة ما تشعره هذه الفئة قبال دورها المهم المقصى قسراً… إي نعم.. كثيراً ما سمعنا عن أدوار النخبة المثقفة في المجتمعات العربية ومكانتها، لكن كل ذلك انكشف – بدرجة مذهلة – منذ أن عصفت بالمنطقة العربية رياح الثورات العام 2010! فتوارى الدور النهضوي لتلك الفئة، واستبدلت بنماذج من الكتاب والأدباء والإعلاميين والفنانين والراقصين والراقصات والساقطين والساقطات ممن قاموا بالدور نيابة عن مثقفي الأمة الحقيقيين. فكان نتاج عمل (البدلاء) الرخيص كمن استخدم (خشباً) كوقود لزيادة تأجيج الشعوب عبر الضحك على عقولهم وخداعهم، والتكسب من وراء أدوار أدوات السلطة في تخدير الشعوب والعبث بفكرها وثقافتها وحقها في المعرفة النقية.
قبال ذلك، وجد المثقف الحقيقي نفسه محاصراً بثلاثة خيارات: إما الانضمام إلى جوقة البدلاء الرخيصة وهذا ما تسامى عنه الكثيرون؛ أو اللعب على الحبلين بمسك العصا من المنتصف ودغدغة السلطة تارة والشعوب تارة أخرى وهذا ما فعله القليلون؛ والخيار الثالث هو ألا تأخذه في الله لومة لائم وأن يقول الحق ويناصر المطالب المشروعة، ويقدم رقبته من أجل صلاح الأوطان والشعوب، وهؤلاء قلة أيضاً لربما تجدونهم اليوم في السجون أو في المنافي، قريبة من الأوطان كانت أم بعيدة.
لماذا وصفت انكشاف أدوار مثقفي الأمة بـ «درجة مذهلة»، في باكورة الثورات أكبر مما كان عليه الوضع في السابق؟ ذلك أيضاً عرج عليه البيان في تعديده لما يتعرض له المثقفون من تهديد وإهمال وتضييق واستهداف لم يكن وليد الثورات، بل كان هو الوضع السائد منذ عقود مضت في الوطن العربي، أليس كذلك؟ لكن مع ذلك، فإن الأدباء العرب قدموا «الإحسان» قائلين في بيانهم: «إن التحولات التي يمر بها وطننا العربي، وما يتعرض له من خلخلة هنا أو هناك، ليحتم على المؤتمر العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أن يضطلع بمسئولياته في حماية الكتابة والمبدعين بما يجعلهم يمارسون دورهم المعرفي والحضاري باقتدار وعافية وعنفوان (كيف؟)… بعيداً عن الرقابة الجاثمة واستهداف المبدعين وملاحقتهم وسجنهم والحد من حريتهم وانتقاصها».
وفي الواقع؛ تمنيت أن يوجه الاتحاد في مؤتمره أصابع الاتهام إلى الحكومات العربية التي أجرمت في حق شعوبها وتبنت الحركات المتشددة المعادية للحقوق وللحياة الكريمة، وهو يشير إلى تصاعد محاولات بعض الحركات الأصولية والسلفية والميليشيات المسلحة والطائفية التي تلجأ للحد من الحريات المدنية العامة ومصادرتها، والحد من حرية الفكر والتعبير ومصادرة الكتب أو سحبها من بعض معارض الكتب العامة! فتلك ممارسة رأى فيها الاتحاد (سياقات لا تليق بالإبداع والمبدعين)، لكن هناك إشارة لا بأس بها وهي أن مداخلات الاتحاد العام في أكثر من مجال آتت أُكلها حيث تم التراجع عن بعض الأفعال التي استهدفت الكتاب، وليس آخرها الإفراج عن الشاعر القطري محمد العجمي.
الصرخة المكتومة للأدباء صدحت باستهداف السلطات في غير بلد عربي للأدباء والكتاب بالملاحقة والسجن، وعدم رعاية الأدباء، واستمرار إغلاق بعض وسائل الإعلام من صحف وقنوات فضائية، ومحاصرتها، ومحاولات الاعتداء على العاملين فيها والمتعاملين معها، مواجهة المسيرات والاحتجاجات والتجمعات والاعتصامات السلمية والمعلن عنها بغير وسيلة تصل إلى القمع المسلح في كثير من الأحيان. أما بالنسبة للتهديدات، فهذه وردت أيضاً بصيغة تقول إن الأدباء والفنانين والمثقفين في غير بلد عربي تعرضوا لتهديدات مباشرة أو غير مباشرة من قبل قوى وتيارات وجماعات دينية وطائفية متطرفة ضد حرية التعبير والفكر، من خلال التهديد بتكفير وتأثيم الثقافة أو بعض تنوعاتها ومظاهرها، أما مسألة الحيلولة دون دخول بعض الإصدارات من وإلى بعض الدول العربية؛ فهذه نشيدة قديمة ما عادت تُطرب.
لم ينتهِ الأمر هنا! فهناك «البيان الختامي» الآخر الذي شمل العديد من النقاط المهمة، لعل أهمها هو التصدي للخطاب التكفيري والإقصائي الذي تكون عناصره مهددة للأمن القومي الثقافي وللوحدة الوطنية، وأن يترافق مع ذلك الترشيد والحكمة، والتأكيد على ضرورة تكريس فكرة الدولة المدنية.
جميل جدّاً… لربما تكون الإجابة المتخيلة أو المتوقعة أو الواردة بقوة من جانب الحكومات العربية كرد على بياني الأدباء والكتاب العرب: «أحسنتم… شكر الله سعيكم»، فالميت لا تجوز عليه إلا الرحمة.