لاحظ المشتغلون في دراسة عمل المؤسسات السياسية وطريقة اتخاذ القرار فيها، أن هناك تقسيما ممنهجا للأدوار فيما بين منتسبي تلك الكيانات السياسية، فتجد من منتسبيها من يجيد المفاوضات والطرح الهادئ للأفكار، وآخرون لا يجيدون إلا الدفاع عن المؤسسة السياسية وأفكارها وربما يمارسون الهجوم بشراسة على خصومها، والحقيقة أنه على اختلاف أدوار المنتسبين إلا أنهم يكملون بعضهم البعض من أجل تحقيق أهداف ذلك الكيان أو التجمع السياسي، خصوصا إذا ما حافظوا على درجة عالية من التنسيق.
لذلك أطلق المحللون السياسيون مصطلح «الحمائم والصقور» لتوصيف هؤلاء الأشخاص والتميز بين أدوارهم وسياساتهم. فالتيار المثالي والذي يعتمد التهدئة هم الحمائم ـ أما الحازمون في اتخاذ القرار والتمسك به، فيمارسون سياسية حافة الهاوية فهؤلاء بلا شك هم الصقور.
وأخذت هذه المصطلحات من السلوك الطبيعي لتلك الطيور ـ فالحمام مسالم ولا يحلق بعيدا، ويرهق بسرعة ويتوقف كثيرا قبل أن يصل لوجهته النهائية ـ أما الصقور فهي شرسة وجارحة، لا ترضى إلا بـ تحقيق هدفها، تحلق بعيدا جدا ـ ولا تكل ولا تمل حتى تنقض على غايتها المنشودة.
من هذا المدخل التحليلي سنستعرض مواقف تيار أو تكتل نواب المعارضة من الأزمة السياسية الحالية، خصوصا أن المعارضة الكويتية لم تتعرض طوال تاريخها لمثل تلك الأوضاع السياسية الحرجة بل والبالغة في الصعوبة والتعقيد كالتي نعيشها هذه الأيام، والتي تتطلب من المعارضة السياسية أن تتخذ بها مواقف أكثر جرأة مما سبق، فشباب الحراك السياسي الكويتي لا يرحم المعارضة بل ويحملها مالا تحتمل. لذلك انقسمت كتلة المعارضة الكويتية واقعيا إلى تيارين سياسيين لا ثالث لهما.
تيار «الصقور» وهؤلاء يريدون التحليق بعيدا في مواقفهم المتشددة، ويرون أن الحكومة تمادت في التعدي على الدستور حتى أنها اغتصبت صلاحيات البرلمان، وهؤلاء يؤيدون ممارسة الضغط الشعبي على الحكومة، فلذلك تجدهم يشاركون في المسيرات الشعبية المرخص منها وغير المرخص، والتي تدعو إلى إسقاط مرسوم الانتخاب وما ترتب عليه من مجلس أمة جديد.
ويبدو أن «الصقور» متوافقون جدا مع الحراك الشبابي والذي بدورهم ينظمون الوقفات الاحتجاجية في المناطق السكنية بعد أن منعوا من التجمع في ساحة الإرادة.
أما تيار «الحمائم» في المعارضة، فهو لا يختلف مع تيار «الصقور» في الأهداف – كأن ترجع الحكومة عن مرسومها وتحل مجلس الأمة الحالي، ولكنهم حتما يختلفون معهم بالسياسات المتبعة.
فتيار «الحمائم» لا ينظم ولا يشارك في المسيرات غير المرخصة، ويتقاعس عن الحضور بعذر أو بدونه عن المسيرات المرخصة.
كما أن تيار «الحمائم» لا يؤمن أصلا بالمسيرات الاحتجاجية في المناطق السكنية، ويؤكدون دائما على ضرورة التهدئة وضبط الخطاب السياسي المعارض وعدم التمادي في الخصومة مع السلطة، لذلك تجدهم ينتظرون بفارغ الصبر حكم المحكمة الدستورية في النزاع الدستوري القائم حول المرسوم والبرلمان، ويعولون كثيرا على الحل القضائي ويأملون خيرا.
من نافلة القول – ان كلا الفريقين بالمعارضة السياسية في طريقهما للفشل ـ فالصقور أو الاتجاه المتشدد – بدأ ينخفض صوته ويتشتت جهده – لأن الخطاب السياسي للمعارضة وصل إلى الذروة مبكرا ليصطدم بالسقف الأعلى المسموح به، ولم يعد أمامهم إلا اقتحام المجهول السياسي!
ويقابل ذلك أيضا فشل الحمائم في استثمار جهود الصقور وضغطهم المتواصل ضد الحكومة من أجل البدء في حوار سياسي مع السلطة للتوصل إلى حلول وسط.
فلقد كانت «الحمائم» أو تيار التهدئة في المعارضة ـ في قمة السلبية ـ بل كان ولايزال يسعي لخفض صوت المعارضة وسقفها دون أن يطرح البديل!
ويتناسون أن صلب نظرية الحمائم والصقور هو المحافظة على اعلى درجات التنسيق وتبادل المواقف واستثمار كل الجهود المبذولة بينهم، ولاشك أن التنسيق كان مفقودا بين الحمائم والصقور في الحالة الكويتية!
في النهاية: الحذر كل الحذر ليس من صقور المعارضة المحترفة سياسيا، ولكن من (عقبان) الحراك الشبابي ـ فهؤلاء أكثر شراسة وعلى فطرتهم الجارحة، ولم يألفوا القيود والأوكار – انهم يحلقون إلى أبعد مدى ـ وسيكون التعامل معهم أكثر صعوبة من الحمام والصقور!