محمد الوشيحي

الحضانة أولاً

كتبت قبل سنين عدداً، منذ أن كانت أميركا مجموعة من "العشيش والصنادق*" وأوروبا تجلب المياه على الحمير: "إنشاء جامعة الدول العربية وانضمام الدول إليها هو الخطوة الأخيرة، التي كان يجب أن تسبقها خطوات وخطوات".
وهنا تذكرت حكاية صاحبي المصري الذي كان يدرس في الجامعة، فاتفق مع صديقته على تناول القهوة، كنوع من جر الرجل، في مقهى خارج الجامعة، فسألته: "هيّه عربيتك نوعها إيه؟"، فصحح لها: "أنتِ قفزتِ إلى السؤال الثاني، كان يجب أن تسأليني أولاً ما إذا كنت أملك سيارة أم لا، كي أوفر عليك مصاريف السؤال الثاني".
وقبل أن تدخل الجامعة، أية جامعة، عليك أن تجتاز المراحل الدراسية الأساسية، في حين أن دول العربان تسلقت جدران "الجامعة" قبل أن تتمكن من فك الخط، ولو أنها خضعت لاختبار قدرات لما تمكنت من اجتياز مرحلة الحضانة.
واختبار القدرات يبدأ من السؤال الأول: "كيف يمكن أن تبني رصيفاً بشكل سليم، وشارعاً لا يغرق من دمعة سحابة خجلى؟"، وبالطبع الأكيد، كما يقول ذلك العراقي، ستفشل بعض دول الخليج في الاختبار، وفصل الشتاء يشهد ويفضح، ولا يكره زعماء العرب شيئاً كما يكرهون فصل الشتاء الذي يكشف الفساد ويغرق البلاد… طبعاً لا حاجة للتذكير بأن الدول الإسكندنافية تقع تحت "دش سماوي" لا يتوقف، لكن الماء يتسرب مباشرة إلى المناهيل، ولا يبقى إلا ما يبلل الشوارع، ولو انفتح "الدش" علينا هنا في بلاد العرب، لتكررت مأساة قوم نوح عليه السلام، ولنبتت لنا زعانف وخياشيم.
وأعود لأقول: قبل أن تدخلوا الجامعة، عليكم أن تجتازوا أولاً مرحلة الحضانة، فتعالجوا أرصفتكم وتسلّكوا مناهيلكم. على أن تكون هنالك هيئات عربية تبدأ من "حضانة الأمة العربية"، "ابتدائية الأمة العربية"، "إعدادية الأمة العربية"، "ثانوية الأمة العربية"، ثم بعد ذلك "جامعة الدول العربية"… لا تدخلوا الجامعة وأنتم لا تعرفون فك الخط. القفز ممنوع والعتب مرفوع.

—————-
العشيش: لهجة محلية يقابلها العشش بالفصحى.
الصنادق: لهجة محلية مفردها صندقة، وتختلف عن العشة في نوع مادة البناء.

احمد الصراف

ملهم الرئيس.. والمثال الكويتي

«لا تقل ما الذي أعطاه وطنك لك، بل قل: ما الذي أعطيته لوطني». (ج. كنيدي).
وصلت طلائع المهاجرين اليابانيين إلى هاواي ومن بعدها لسان فرانسيسكو مع بداية 1860، وكانوا يعيشون بسلام في بيئتهم الجديدة، وفجأة انقلبت أوضاعهم مع الهجوم الجوي المباغت الذي شنته طائرات يابانية حربية على ميناء بيرل هاربر في 7 ديسمبر 1941، وما تبع ذلك من إعلان اميركا الحرب على اليابان! وهنا قامت الحكومة الأميركية باتخاذ الاحتياطات الأمنية التي رأتها لازمة، وترحيل جميع المواطنين المتحدرين من اصول يابانية لمعسكرات خاصة، حتى انتهاء الحرب. تذكرت كل ذلك وانا استمع لكلمة الرئيس أوباما في تأبين السيناتور دانيل إينوي، الذي توفي عن 88 عاما والمتحدر من اصل ياباني والذي عمل سيناتورا لنصف قرن، وهي ثاني أطول فترة خدمة في تاريخ الكونغرس! وكيف كان لذلك السيناتور من تأثير إيجابي في حياته، إنْ بسبب عرقه المختلط، او ظروف حياته غير العادية، والتي بينت له، وهو في بداية حياته، أن أميركا هي أرض تحقيق الأحلام، فعندما يكون بمقدور شخص اعتبر في لحظة تاريخية مصدر خوف وشك في خيانة، من أن يصبح مشرعا ومراقبا لعمل الحكومة الأميركية، وعضوا فعالا في لجانه المهمة، وهو المتحدر مثله من خلفية مختلفة عن الغالبية في كل شيء ويصل لما وصل إليه، فإن بإمكانه هو أيضا ان يصبح رئيسا لأميركا.
إن سيرة دانيل إينوي يجب أن تكون مثالا لسيرة كل من هاجر للكويت طلبا للعيش الكريم فيها، وهنا لا نستثني أحدا ابدا، فجميع مواطني الكويت سبق أن هاجروا لها من منطقة أو أخرى، فهذا الرجل لم يقل لمواطنيه اعطوني منصبا ومالا وسأعطيكم وفاء وخدمة جيدة، بل بادر من نفسه وأعطى الكثير قبل ان يبادله وطنه بالأكثر، فقد تطوع في الجيش في بداية الحرب العالمية الثانية، وأرسل ليحارب فاشيي إيطاليا، حلفاء اليابان، ويبلي أحسن البلاء، ويفقد إحدى ذراعيه في معركة حاسمة، وكاد أن يفقد حياته، وليعود لوطنه بطلا مكللا بالغار، وليصبح بعدها سيناتورا، وعندما توفي اصبح أول أميركي من اصل آسيوي ينال شرف الدفن في مقبرة الكابيتول، فهذا الرجل حظي باحترام أمة كاملة، وتقدم لخدمتها في الوقت الذي كان في الجانب المعادي له يابانيون آخرون، وكان هو ومن معه موضع شك الجميع، وقام بكل ذلك لأنه آمن بأميركا وطنا ورضي بنظامها وقبل عدالتها، بالرغم من أن أصوله وعرقه وديانته كانت مختلفة عن البقية، وأحب أميركا وأخلص لها حتى عندما كانت حكومتها، وجزء من شعبها لا يبادله المشاعر والأحاسيس نفسها! فالإخلاص للوطن ليس كلاما وتصريحا بل يعتبر تصرفا وإيمانا عميقا. وعندما نتصرف ككويتيين، وليس كنجادة أو بدو أو شيعة أو سنة أو عرب أو فرس أو بحارنة او حساوية، بل فقط ككويتيين محبين لهذه الأرض، حينها سيأخذ كل طرف حقه، مهما طال الزمن، ولكن المشكلة أن الغالبية تصر على وضع انتمائها القبلي أو المذهبي او العرقي الضيق قبل مصلحة الوطن، غير مدرك أنه متى ما ذهب الوطن ضاع كل شيء من بعده، والأمثلة واضحة جدا، ومتعددة! ولكن هل بيننا، بما في ذلك حكومتنا، ما يكفي لفهم معنى هذا الكلام؟
• ملاحظة: كشف المدير الإقليمي لقناة العربية في السعودية خالد المطرفي أن السلطات الأمنية في السعودية، وبأمر من وزير الداخلية، قبضت على الكاتب والمفكر تركي الحمد بعد هجوم بعض من رجال الدين على كتاباته في وسائل التواصل الاجتماعي! وهذا مفكر آخر يقع صريع الفكر الضيق.

أحمد الصراف

www.kalama nas.com