محمد الوشيحي

:خطة خالد بن الوليد في حراكنا الشعبي

وهكذا تشكل مجلس "أمتهم"، فتجمع الآدبون حول المأدبة، والمأدبة فاخرة، والآدبون جوعى وإن انتفخت كروشهم! وتكفلت السلطة بتوفير الملاعق والسكاكين، وارتدت "بابيونة" الجرسون، ووقفت خلف ظهورهم تنتظر أوامرهم وتتمنى لهم الهناء والشفاء والرفاء والبنين.
وكما قلت سابقاً، أثناء رئاسة الشيخ ناصر المحمد للحكومة: سيارة الكويت "مغرّزة"، وبالفصحى عالقة، في "نفود" الفساد، ولا يمكن أن تخرج بالضغط على البنزين بقوة، فقد تغوص أكثر في رمال النفود، وليس لنا إلا الطريقة الشعبية لإخراجها، بتمهيد الأرض عبر "هزهزتها" إلى الأمام ثم إلى الخلف مراراً وتكراراً، إلى أن يتهيأ لها من أمرها رشد، فتنطلق بحفظ الله ورعايته، هكذا قلت أو شيئاً شبيهاً بـ"هكذا"… وبالفعل نجحت الهزهزة، وأرسلنا الحكومة وقتذاك في رحلة ترفيهية مع الأستاذ "مقيط"* لتتفرج على "رَحل أم قشعم".
واليوم، نحن في مرحلة "الهزهزة" أيضاً، وإن كانت رمال النفود هذه المرة أكثر تعقيداً وصعوبة، لكن الهزهزة دواء ناجع لا مثيل له.
وندخل "الدواوين" وليس للناس إلا سؤال من شقين: "وماذا بعد؟"، "لماذا انطفأت جذوة الحراك؟"، وأجيب السائل، بعد التأكيد سبع مرات إحداهن باليمين الغليظة، أنني لست عراب الحراك ولا بائعه ولا شاريه، ولا عراب لهذا الحراك إلا "أنتم"، وسأطرح رأيي وقراءتي على الأرض أمامكم، فخذوا منه ما أردتم وأعيدوا الباقي إلي… إجابة "ماذا بعد؟ ولماذا انطفأت الجذوة؟" هي التالي: أعتقد أن انتظار حكم المحكمة الدستورية ساهم في الهدوء، أو قل "الكمون" الذي ترونه، إضافة إلى أنني من مؤيدي انتظار كوارث السلطة وبرلمانها، مع الحفاظ على استمرار المسيرات كنوع من "الهزهزة"، وانتظار ارتفاع درجات الغضب الشعبي ووصولها إلى الذروة، ثم الانطلاقة الكبرى.
باختصار، يجب تطبيق خطة الصحابي البطل خالد بن الوليد في حروبه ومعاركه "أناة القط ووثبة الأسد". مع الأخذ بعين الاعتبار رهان السلطة على الطقس، لذا يجب ألا يتأخر الأسد في وثبته وألا يغفل وينام.   

***
مقيط: ابحثوا في غوغل يرحمني ويرحمكم الله عن معنى المثل القائل "مهف مقيط ورشاه".

سامي النصف

الاستعمار الغربي والعربي والديني!

مضحك جدا إلى حد البكاء تقرير الامم المتحدة الاخير الذي اكتشف ـ يا للهول ـ ان الحرب الاهلية في سورية تقوم على نفس طائفي من الجانبين، والمبكي جدا ان سورية ومثلها العراق والاردن وباقي دول الهلال الخصيب، كانت قد تشربت حتى النخاع مبادئ القومية العربية التي بشر بها اليمني ساطع الحصري، والقومية السورية التي نادى بها اللبناني انطون سعادة، لقد قاد قادة البعث الزائفون في العراق وسورية شعوبهم للكفر الشديد بالمبادئ القومية والعروبية التي توحد الاوطان وتركوا بلدانهم بالتبعية عرضة للانشطار والتقسيم كون افعالهم كانت متناقضة تماما مع الشعارات الوحدوية التي كانوا يرفعونها.

***

في العام 1920، احتفلت سورية قلب العروبة النابض بتنصيب «السعودي» بتعريف هذه الايام، فيصل ابن الشريف حسين ملكا عليها، وفيما بعد نصب السعودي ذاته ملكا على العراق وأخوه ملكا على الاردن كدلالة على ايمان شعوبهم العميق بمبادئ العروبة والوحدة قبل ان ينادي بها ويكفّر الناس بها الثوريون امثال عبدالناصر وقادة البعث في العراق وسورية وطاغية ليبيا والديكتاتوريات العسكرية التي تدثرت كذبا برداء القومية العربية في اليمن والسودان وموريتانيا وفلسطين وغيرهم حتى ضعف وتمزق ذلك الرداء شر ممزق.

***

في سورية أثناء الاستعمار الفرنسي تقدم يوسف العظمة لمحاربة جيش الجنرال هنري غورو، فقتل وكان جيشه يضم كل طوائف وقوميات الشعب السوري، وما ان اعلن غورو استقلال لبنان الكبير ومشروعه لحماية مسيحيي الشرق حتى اعلن الزعيم السوري الكبير فارس خوري انه والمسيحيين سيعلنون اسلامهم لسحب الذرائع من الاستعمار الفرنسي الجاثم على صدورهم والذي ترحمت عليه شعوبنا بعد ان جربت طعم الاستعمار العربي للاوطان العربية الذي هو اكثر قتلا وقمعا وتدميرا ونهبا لخيرات الاوطان ممن ادعى محاربته.

***

واعلنت فرنسا في تلك الحقبة اعطاء الاستقلال لأربع دول في سورية هي دويلات دمشق وحلب وجبل العلويين وجبل الدروز، فأعلن الزعيم الحلبي ابراهيم هنانو الثورة على مشروع تلك الدويلات وشاركه الثورة الدمشقي د.عبدالرحمن الشهبندر، كما اعلن الزعيم العلوي الكبير صالح العلي الثورة في جبل العلويين ضد مشروع التقسيم، وفي عام 1925 اعلن الزعيم الدرزي سلطان الاطرش الثورة الكبرى في سورية والتي هزم خلالها الجيش الفرنسي في اكثر من موقعة مثل معارك الكفر ومسيفرة ورساس والسويداء، وأعلن شقيقه زيد الاطرش تحرير الجولان ومجدل شمس وراشيا وحاصبيا، ويالها من معارك تحرر ـ لا تسلم ـ الارض، تجلت بها الشجاعة والشهامة والفداء بأجل وأجمل صورها، وليس كحال حروب الثوريات العسكرية العربية اللاحقة التي كانت تنتهي دائما بالهزائم المتكررة!

***

آخر محطة: احتاجت شعوبنا العربية لنصف قرن لتكتشف زيف وكذب وخداع الانظمة التي اتت بها ثورات وانقلابات الخمسينيات والستينيات والتي مثلت دور الاستعمار القومي العربي، نخشى ان تحتاج شعوبنا العربية لنصف قرن آخر لتكتشف زيف وكذب وخداع الحركات المؤدلجة التي وصلت للحكم هذه الايام كنتيجة لثورات الربيع العربي القائم والتي يدعي بعضها التدثر برداء الاسلام، والاسلام براء من افعالهم.

 

احمد الصراف

مظلومية الشيعة

لدى شيعة العالم شعور بأنهم مظلومون، وأن حقوقهم تم التعدي عليها عبر التاريخ، إن لقلة عددهم، أو لأنهم على حق!
بعد معرفة أسماء أعضاء الوزارة، وظهور اختيارات مكتب المجلس، كتب محام معروف منددا بما أصاب الشيعة من خسائر سياسية، واعتبر الأمر بمنزلة صفعة من السلطة لهم، وأنها أرسلت اقوى رسالة سلبية منذ مجلس 1938برفضها توزير فاضل صفر، أو التصويت لمصلحة النائب عدنان عبدالصمد! وخاض السيد المحامي في تفسيرات وتحليلات شتى عن سبب تصرف السلطة، وقال انها تميل الى من «يعارضها» وليس الى من يقف معها. كما تعجب من تشرذم الشيعة، وعجزهم عن فرض شروطهم على السلطة، قبل الوقوف معها، في ما يتعلق بعدد الوزراء والوكلاء ونوعيتهم وتوظيف الشيعة في مناصب ووظائف طالما حرموا منها، الى غير ذلك من مطالب، ولكن لم يحدث شيء من هذا لأن بعض قيادات الشيعة، حسب قوله، جبناء ولا يهتمون الا بمصالحهم!
الحقيقة أن الصواب قد جانب السيد المحامي، كما تضمنت رسالته تحريضا طائفيا بغيضا ما كان يجب ان يقع فيه، وهو القانوني، والمرشح السابق! فالشيعة، مثلهم مثل غيرهم من مكونات المجتمع، ليسوا كتلة صماء موحدة لكي يتم الحديث عنهم بهذا الشكل، وكأنهم وحدة واحدة ولهم قيادة موحدة، بل متفرقون وينتمون لأكثر من جهة ولهم مصالح انتخابية وحسابات سياسية، وهذا هو الأمر الطبيعي! أما لومه لـ«قادة الشيعة» بتقصيرهم في التفاوض مع الحكومة ومساومتها على عدد الوزراء الشيعة وبقية المزايا، فهو تحريض سقيم، فمن الذي يحدد من له حق التحدث باسم كتلة سكانية متنوعة؟ هل ممثلوهم في البرلمان، وهؤلاء متفرقون أصلا لأكثر من انتماء سياسي ومرجعية دينية وفكرية ومصلحة تجارية؟ وهل يعني تناقص عددهم في الانتخابات التالية تناقص حصة الشيعة في المناصب والمزايا؟ومن جهة أخرى، لا أعتقد أن غالبية الشيعة شعرت، أو كانت ستشعر، بأن وجود الوزير صفر في الحكومة أفضل لها، طائفيا، ليتم التباكي على عدم توزيره، فقد دخل الرجل الوزارة نظيفا وخرج نظيفا، ولم يتصرف إلا كوزير وليس للدفاع عن مصالح طائفته، على حد علمي، أو هذا ما يفترض منه، فسبق أن عبنا على بعض الوزراء، الذين كدسوا وزارة مجلس الأمة بالمنتمين اليهم، ومن السخف أن نأتي اليوم ونطالب وزيراً ما بأن يفعل الأمر ذاته، فالدولة، بمفهومنا، ليست «كيكة» لكي نتخامطها!
نعود ونقول انه ليس هناك إجماع على من هو «الوزير الشيعي الأمثل»، فمصلحة الوطن أولى بالاهتمام، ومقياس مدى قدرة الوزير على خدمة طائفته يجب ألا يكون أساس الاختيار. كما أن أي سلطة في العالم لا تستطيع إرضاء الجميع، والأمور يجب ألا تقاس من منظور طائفي ضيق، بل بما لدى الوزير أو المسؤول من كفاءة، فأنا يهمني أن يكون من يمثلني شخصا نظيفا وصاحب كفاءة، وليس الذي يمثلني طائفيا او حزبيا، فقد مللنا من الطائفيين والمتدينين والقبليين الذين لم يتركوا شيئا إلا والتهموه، والأمثلة كثيرة حولنا. ولو نظرنا لحذر السلطة من توظيف الشيعة في مناصب محددة لوجدنا أنه بشكل عام غير مبرر، ولكن يجب أن نعترف في الوقت نفسه أن جزءا من حذر السلطة بسبب ان بعض كبار ممثلي الشيعة، الذين لم يخفوا يوما ولاءهم وانتماءهم لأحزاب وايديولوجيات خارجية! كما ان من المهم أن يعرف هؤلاء أن الرهان على خيارات السلطة امر غير مضمون دائما، فهي لا تحتفظ بالمسافة نفسها من الكتل الثلاث المكونة للمجتمع، بل تقوم بتغيير موقفها تبعا لظروف المرحلة، وإن على الشيعة، كما قال النائب السابق حسن جوهر، تجاوز الهاجس النفسي بأنهم يجب أن يكونوا دائما في صف السلطة، وإلا ربما صنفوا بعدم الولاء واللاوطنية! فهم جزء أصيل ومكمل للنسيج الكويتي، ويشتركون مع الجميع في السراء والضراء، وقد يختلفون أو يتفقون مع بعضهم أو مع غيرهم في المواقف السياسية والقضايا العامة، وهذا أمر طبيعي! وقال ان الرقم الصعب لنواب الشيعة اليوم يجب أن يستثمر ليس في طلب منصب هنا أو هناك، فهذه المواقع زائلة بالتأكيد وقد يملأها أي كويتي، إنما في المساهمة بخلق أرضية تشريعية لبناء بلد بمؤسسات ومعايير ومبادئ يستشعر كل مواطن في ظلها أنه جزء من كل، ويتمتع بدرجة متساوية من الحقوق والمكتسبات، وأن ينبري من جهة أخرى لفتح عينيه جيداً على مسلسل الفساد والمليارات السائبة من أموال الكويتيين التي يسيل لها كل لعاب، فهذا هو الحليب الذي يستحق البكاء عليه إن سكب، وليس البكاء على خسارة المناصب والوظائف!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

بداية النهاية

بدايات الحكومة والمجلس… (مو خوش بدايات)!
التصريحات التي صدرت من معظم النواب حتى الآن تؤكد أن الشباب مستعجلون على رزقهم! فالجميع يبي يطيح القروض، والجميع يبي يزيد الرواتب، والجميع يبي مخصصات أكثر للمرأة… الخ! والحكومة التي كانت ترفض مثل هذه الاقتراحات عندما كانت تصدر من قلة قليلة من المجلس المبطل، مستندة إلى دعم وتأييد عدد لابأس به من النواب، نراها اليوم متورطة! فوزير ماليتها سارع بالرفض بينما التوجيهات لها:- ساعدوا النواب كي ينجحوا في هذا المجلس الذي هو نجاح لمرسوم الصوت الواحد! لذلك سيمارس بعض النواب، كما توقعنا في مقالة سابقة، سياسة الابتزاز مع الحكومة! وهذا ما أكده عدد غير قليل منهم عندما هددوا وزير المالية بالمنصة مبكرا، بينما اخرون هددوا رئيس الحكومة بالمواجهة ان لم يراع مطالباتهم وحاجيات مواطنيهم!؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى بدأت هذه الحكومة بأساليب الحكومات القمعية وكأن قانونا للطوارئ مطبقا في الكويت! فبدأت في تفعيل المادة عشرين من قانون المطبوعات والنشر، والتي تتحدث عن وجوب الحصول على خطاب مكتوب من الديوان الأميري للتصريح عن سمو الأمير حفظه الله، وهي مادة لم تفعل منذ صدور المرسوم قبل ثلاثين عاما! وياليتها طبقت على الجميع بل تم تطبيقها – حسب كلام مصدر قضائي – على تصريح لكاتب هذا المقال اثر مقابلة مع سموه، حفظه الله، بينما نسمع د. معصومة تصرح بعد مقابلتها مع سموه عن ارتياحه لهذا المجلس، ونتمنى أن تكون قد أخذت إذنا مكتوبا! والأمثلة كثيرة في هذا المقام.
المشكلة ليست في تطبيق القانون، بل في تحريض بعض النواب للحكومة على قمع المواطنين! وهذه اول مرة نشاهد فيها برلمانا يمثل الشعب ويحرض الحكومة على الشعب! فهذا نائب كيفان يحمل المسؤولية لوزير الداخلية {لتقاعسه} في ضرب المواطنين واكتفائه بإلقاء القنابل المسيلة للدموع والصوتية (فقط)!؟
ومثال آخر على استحداث أساليب القمع ودعم نواب مجلس الصوت الواحد لسياسة القمع وتكميم الأفواه إلغاء ترخيص قناة «اليوم»! بينما كان يمكن لوزارة الإعلام استعمال الأسلوب نفسه الذي تعاملت فيه مع قناة «سكوب» وقناة «العدالة» وإعطاء فرصة أكبر للقناة لتصحيح أوضاعها وفقا للقانون، هذا إذا افترضنا أن القناة كانت أصلا مخالفة!، والأعجب تصريحات بعض نواب مجلس الصوت الواحد الداعمة لقرار الإلغاء! هذه مؤشرات غير مشجعة وتدعونا للخوف من القادم من الأيام، وتزيد من شكوكنا في نوايا السلطتين وتحويل الكويت إلى دولة بوليسية ليس للحرية فيها مكان، ولعل تركيبة هذا المجلس هي التي شجعت وزارة الإعلام على إحالة المغردين بهذا الشكل غير المسبوق وغير المقبول إلى النيابة كلما فتح احد فمه. انني مازالت اعتقد أن هناك من بين أعضاء الحكومة من يتعمد توريط رئيس الوزراء لأهداف أكبر من أن نراها اليوم! فهل تكون هذه البدايات نهاية لهذا المجلس الطارئ على الحياة السياسية؟!
قد يقول قائل لماذا الخوف من تطبيق القانون؟!
والجواب ان خوفنا ليس من تطبيق القانون بل من الانتقائية في تطبيقه! فكلنا يعرف أن بعض النصوص مرنة، وان المشرع تعمد صياغتها بهذه المرونة كي يتمكن المشرع من تقدير ظروف الواقعة ويكيفها حسب هذه الظروف، لكن التعسف في التطبيق، كما حدث مع المغردين ومع قناة «اليوم»، هو ما نحن بصدده. أما الذي يجب أن يطبق عليه القانون في اشد حالاته فهو من قتل طبيب الأسنان في الافنيوز امس الأول! فهذه الحادثة الغريبة على أرضنا لا يجوز أن نتساهل مع مرتكبيها لانها ستكون بوابة لغيرها من الجرائم!
* * *
سيد عدنان عبدالصمد… ذكر في مقابلة تلفزيونية أنني عرضت عليهم في الائتلاف الإسلامي توزير احمد لاري بدلا من فاضل صفر في الحكومة، وقد فهم البعض انه قصد الحكومة الحالية، والحقيقة أنني اتصلت بأحمد لاري شخصيا لعلاقتي به ومعرفتي بإمكاناته وقدراته ولم اتصل به كممثل للائتلاف وإلا كنت اعرف بمن اتصل! والاهم أن هذا الاتصال تم أثناء تشكيل حكومة المجلس المبطل وليس هذا المجلس، وكان اجتهادا مني ليس له علاقة برئيس الحكومة!

سعيد محمد سعيد

«تويتر» خطبة الجمعة… الفاضح!

 

«ليه تورط نفسك يا شيخ؟ أجل إذا منت قدها وش لك تضرب على صدرك؟»… تلك العبارة ردّ بها أحد المغردين «الظرفاء» على أحد خطباء الجمعة الذين أصبحوا يدعون، عبر تويترهم، متابعيهم إلى اختيار موضوع «خطبتهم» للجمعة المقبلة! أي أنهم يفتحون المجال للناس لمشاركتهم في اختيار موضوع الخطبة كاستفتاء محدود إن جاز لنا وصفه.

ذلك أمر جيد لا بأس به، ولم لا؟ فلطالما أن هذا الخطيب أو ذاك مهتم بأمور الأمة وقضاياها وشئونها ويتواصل مع «بني الإسلام» للوقوف على قضية مهمة يطرحها في خطبته، فهو ربما يدخل تحت عنوان «البدعة الحسنة»! لكن ليس كل المغردين بالطبع سيتهافتون على الرد باقتراح الدعوة بطول عمر ولاة الأمر وشكر النعم والدعاء على الكفار والبكاء على حال الأمة والتحشيد لنيل البركات سخاءً رخاءً!

هذا صعبٌ للغاية وخصوصاً مع انتشار استخدام «تويتر» في العالم، والذي تشير تقديرات موقعي «سوشال بيكرز» و «انفوغراف» إلى أنه من بين نحو 200 مليون مستخدم لـ «تويتر»، هناك في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما يقارب 44 مليون حساب لمغردين حقيقيين ووهميين، مثقفين وجهلة، صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، طيبين وخبيثين، جادين وهزليين.

المهم، أن ذلك الخطيب تلقى من العناوين ما يشيب له شعر رأسه ولحيته! فمن طالبه بالحديث عن الظلم والاستبداد، ومن دعاه لأن يكشف خنوع بعض الحكام للغرب وتآمرهم ضد الإسلام، ومن وعده بتقبيل رأسه وقدمه إذا طالب بمحاربة الفساد وفضح رؤوس الفساد والسرقة والنهب من «الهوامير»؛ ومن دعاه للتوقف هو شخصياً عن إثارة الفتن الطائفية! وآخرون طالبوه بالاعتذار عن إساءاتٍ كثيرةٍ وجّهها هو نفسه لعلماء وطلبة علوم دينية، وغيرها من الردود التي فتح المجال لها بنفسه حين دعا الناس لهذا الاستفتاء. وحين وجد نفسه محاصراً طالب الناس بعدم طرح عناوين لموضوعات «تفرّق الأمة»، فردّ عليه ذلك الظريف بالعبارة أعلاه: «ليه تورط نفسك يا شيخ؟ إذا منت قدها وش لك تضرب على صدرك؟».

هكذا، ومع اعتبار «تويتر» واحداً من أهم أدوات التواصل الاجتماعي والإعلامي الإلكتروني في العالم قاطبةً، وفي منطقة الشرق الأوسط والدول الإسلامية، فإن التعامل مع جيل جديد من الشباب يطرحون آراءهم وأفكارهم بكل حرية، في القضايا العامة، لا يمكن أن ينحصر فقط في رغبات الوجاهة والانتشار والشهرة بقدر القيام بالمسئولية الدينية والوطنية، ولاسيما من قبل الخطباء والوعاظ. ويحق لهذه الفئة المتنامية في مجتمعاتنا أن تناقش وتتساءل وتطالب وتدعو أيضاً لأن يقوم خطيب (ضرب على صدره) بكامل مسئوليته في طرح القضايا التي تهمّ الأمة فعلياً، وليس من باب التشدق والتفلسف.

ولاشك في أن المجتمع الإسلامي ابتلي خلال العقدين الماضيين، ولربما مع انتفاض الكثير من المجتمعات العربية في ثورة المطالبة بالحقوق المشروعة منذ أواخر العام 2010… ابتلي بنماذج من الخطاب الديني المتشدد المدعوم في كثير من الأحيان من حكومات وجماعات وأقطاب قوى داخلية وخارجية، وصعد الخطاب الفتنوي الطائفي بشكل كبير بلغ أوجه في الشتم والتخوين والتكفير الواضح لمن يختلف مع «خطيب الفتنة» في منبره السيىء، في حين أصبح الخطاب المعتدل من الصور المتوارية خلف الأفق. وفي ذلك خطرٌ كبيرٌ على الأمة التي يتوجب على كل فرد منها، ومن منطلق مسئوليته الفردية، أن يرفض مثل هذا الاعوجاج الواضح ولا يقبل به.

بالمناسبة، تنبهت مؤسسة الإرشاد الديني في اليمن، على سبيل المثال، وغيرها بالطبع، لمخاطر مثل هذا الخطاب فأصدرت دراسةً حول أزمة الخطاب الديني المتشدد وملامحه، وحدّدت عدة محاور لعنف ذلك الخطاب تجاه: الذات، العقل والإرادة، تجاه المرأة، تجاه الآخر وكذلك العنف الدعوي. وما يهمنا هو العنف الدعوي والعنف تجاه الآخر، فقد جاء في الدراسة أن العنف الدعوي هو استخدام أسلوب الترهيب في مقابل إسقاط أسلوب الترغيب وتفريغ الدين من محتواه المتسامح، فتجد لغة الدعاة قد انطبعت بالطابع التهديدي واللغة المنذرة والصوت العالي، ما كرّس نمط الملقي الآمر المنذر والمتلقي المطيع المنصاع، والداعي المُتَهِم والمدعو المُتَهَم في عملية الاتصال الدعوي، وأُهملت لغة الحوار والإقناع والترغيب والجذب بالطرق التي تحترم ذات ونفسية المتلقين ولا تحتويهم، أو تجعل منهم صورةً للشر أو الخطيئة. وهذا خطأ مشينٌ بعملية الدعوة، وأسوأ ما فيه التنفير والشعور المبطّن للداعية بأنه كامل ومثالي، والمدعوين قاصرون وخاطئون، وهو ما يفقدهم الثقة فيه.

أما في محور العنف تجاه الآخر، فأشارت الدراسة، وهي للشيخ يحيى أحمد النجار، إلى أن الخطاب المتشدد يعتبر الآخر ديانةً كان أو عالَماً غريباً، إما عدواً مطلقاً أو طامعاً مطلقاً، فهو منبوذ ومستبعد من إمكانية التفاعل معه، ومقصي من أي درجة قبول. وهذا أوقع العقل الإسلامي في ازدواجية نفي الآخر نظرياً، والتعاطي مع منجزاته الحضارية والتكنولوجية واقعياً، كما أن التقييمات الدينية العامة للمجتمعات خطأ كبيرٌ، لأن هذه المجتمعات تتكوّن من اتجاهات وتيارات وأفراد وجماعات ليسوا على مبدأ واحد، ولا على موقفٍ مشترك، والخطاب الديني ملزمٌ بالتواصل معهم وإبلاغهم بالدين بأفضل وسيلة.

أما بعد، فأخطر ما في ذلك الخطاب المتشدد، أن يكون مسكوتاً عنه من جانب الحكومات التي تفضله، وأن يصبح الخطاب المعتدل، موضع عداء من الحكومات التي لا تريد أن تسمعه أو تترك الحرية المطلقة لغيرها أن يسمع، وهذا بالتأكيد، معول هدم للسلم الاجتماعي لا علاقة له بالدين الإسلامي.