أخيراً ثبت لبعض شباب الحراك ما كنا نحذرهم منه طوال الفترة الماضية، فقد كنا نكرر مراراً أن تيارات الإسلام السياسي تعادل في سوئها حكوماتنا المتعاقبة، ولا تؤمن لا بدولة دستور ولا بمبدأ، ولا يجدر أبداً أن تشتبك أيادي الشباب بأياديهم بحجة القضاء على فساد الحكومة، ففساد التيارات الدينية لا يقل سوءاً عن الحكومة بل إن التيارات الدينية كانت حليفة للحكومة طول السنوات السابقة، وكل ما في الأمر أن مصالحهم تعارضت اليوم، فباتوا في معسكرين على غير عادتهم. فيوم الخميس الماضي استخدم جمعان الحربش الذي رفض قبل أقل من شهر استخدام الفتاوى والمساجد للتشجيع على التصويت، أقول إن الحربش استخدم فتاوى من بعض علماء الدين تصب في مصلحة تيار "الإخوان المسلمين" في مصر! ومساء الجمعة تسابق النواب السابقون من التيارات الدينية على رفض فكرة المبيت النسائي، وبدؤوا بمحاولة فرض وصايتهم على هذا الحراك الذي بادر به حساب "كرامة وطن" على "تويتر"، في تشكيك مقيت بالأخلاقيات ونظرة دونية للمرأة وتصويرها كجسد مثير للغرائز، وهي بالمناسبة ليست المرة الأولى لهذا التصوير من قبل التيارات الدينية، فقد سبق لهم في مناسبات عدة أن شوهوا صورة المرأة وشككوا في أخلاقها بشكل وقح. شخصياً لست بصدد مناقشة فكرة المبيت ولا الدستور المصري، ولكني أتكلم عن حالتين واضحتين تجلى فيهما تلون التيارات الدينية ومحاولة فرض وصايتها. إن ما حدث في يومين يثبت ما كنّا نقوله لبعض شباب الحراك الذي كان يردد بأن القضية تجمعنا معهم، ويجب أن تتضافر جهودنا، وأنا أقول نعم قد نتفق في قضايا لكن لا تقبلوا أبداً أن تشاركوهم أي حراك كما كنا ننصحكم، فهم يعتبرونكم وسيلة للوصول إلى غاياتهم المرتكزة على وأد الحريات والتفرد بالرأي والوصاية على العقول والسلوك والتصرفات، ولأنهم أكثر تنظيماً وبحكم سيطرتهم على كثير من الجهات باسم الدين، فسيتمكنون من ذلك بعد أن يستولوا على الزخم الذي يريدونه من حراك الشباب وجهودهم. اليوم وبعد أن انكشف هذا الموقف التعيس من التيارات الدينية أمام كل من كان يغض بصره عنه ويتعمد تجاوزه، فلا مجال أبداً لتأجيل المواجهة، بل عزل التيارات الدينية- التي تثبت مراراً وتكراراً بألا دستور الكويت يحكمها ولا الحريات ديدنها- عن الحراك الشبابي من أجل الوصول إلى مستقبل أفضل. لم يعد من المعقول أو المقبول محاربة فساد الحكومات المتعاقبة بالتعاون مع تيارات دينية تعادل في فسادها الحكومات المتعاقبة بحجة أنها تتفق معنا على محاربة فساد الحكومات، فالهروب من مفسدة إلى مفسدة أخرى لا يمارسه سوى الجاهل أو الفاسد فقط، وأعلم أن معظم الشباب ليسوا كذلك. اليوم نحن أمام فرصة حقيقية كشباب بتنقية مطالب الإصلاح من المتمصلحين والمتعدين على الدستور من كل الأطراف، على أن يقدم الشباب مطالبهم الواضحة وفق الدستور والقانون والعمل على تحقيقها بعيداً عن كل من كشفته لنا الأيام، فلا مجال للتبرير أو العواطف والميول الخاصة أبداً.