علي محمود خاجه

«بانت فيلجا»

أخيراً ثبت لبعض شباب الحراك ما كنا نحذرهم منه طوال الفترة الماضية، فقد كنا نكرر مراراً أن تيارات الإسلام السياسي تعادل في سوئها حكوماتنا المتعاقبة، ولا تؤمن لا بدولة دستور ولا بمبدأ، ولا يجدر أبداً أن تشتبك أيادي الشباب بأياديهم بحجة القضاء على فساد الحكومة، ففساد التيارات الدينية لا يقل سوءاً عن الحكومة بل إن التيارات الدينية كانت حليفة للحكومة طول السنوات السابقة، وكل ما في الأمر أن مصالحهم تعارضت اليوم، فباتوا في معسكرين على غير عادتهم. فيوم الخميس الماضي استخدم جمعان الحربش الذي رفض قبل أقل من شهر استخدام الفتاوى والمساجد للتشجيع على التصويت، أقول إن الحربش استخدم  فتاوى من بعض علماء الدين تصب في مصلحة تيار "الإخوان المسلمين" في مصر! ومساء الجمعة تسابق النواب السابقون من التيارات الدينية على رفض فكرة المبيت النسائي، وبدؤوا بمحاولة فرض وصايتهم على هذا الحراك الذي بادر به حساب "كرامة وطن" على "تويتر"، في تشكيك مقيت بالأخلاقيات ونظرة دونية للمرأة وتصويرها كجسد مثير للغرائز، وهي بالمناسبة ليست المرة الأولى لهذا التصوير من قبل التيارات الدينية، فقد سبق لهم في مناسبات عدة أن شوهوا صورة المرأة وشككوا في أخلاقها بشكل وقح. شخصياً لست بصدد مناقشة فكرة المبيت ولا الدستور المصري، ولكني أتكلم عن حالتين واضحتين تجلى فيهما تلون التيارات الدينية ومحاولة فرض وصايتها. إن ما حدث في يومين يثبت ما كنّا نقوله لبعض شباب الحراك الذي كان يردد بأن القضية تجمعنا معهم، ويجب أن تتضافر جهودنا، وأنا أقول نعم قد نتفق في قضايا لكن لا تقبلوا أبداً أن تشاركوهم أي حراك كما كنا ننصحكم، فهم يعتبرونكم وسيلة للوصول إلى غاياتهم المرتكزة على وأد الحريات والتفرد بالرأي والوصاية على العقول والسلوك والتصرفات، ولأنهم أكثر تنظيماً وبحكم سيطرتهم على كثير من الجهات باسم الدين، فسيتمكنون من ذلك بعد أن يستولوا على الزخم الذي يريدونه من حراك الشباب وجهودهم. اليوم وبعد أن انكشف هذا الموقف التعيس من التيارات الدينية أمام كل من كان يغض بصره عنه ويتعمد تجاوزه، فلا مجال أبداً لتأجيل المواجهة، بل عزل التيارات الدينية- التي تثبت مراراً وتكراراً بألا دستور الكويت يحكمها ولا الحريات ديدنها- عن الحراك الشبابي من أجل الوصول إلى مستقبل أفضل. لم يعد من المعقول أو المقبول محاربة فساد الحكومات المتعاقبة بالتعاون مع تيارات دينية تعادل في فسادها الحكومات المتعاقبة بحجة أنها تتفق معنا على محاربة فساد الحكومات، فالهروب من مفسدة إلى مفسدة أخرى لا يمارسه سوى الجاهل أو الفاسد فقط، وأعلم أن معظم الشباب ليسوا كذلك. اليوم نحن أمام فرصة حقيقية كشباب بتنقية مطالب الإصلاح من المتمصلحين والمتعدين على الدستور من كل الأطراف، على أن يقدم الشباب مطالبهم الواضحة وفق الدستور والقانون والعمل على تحقيقها بعيداً عن كل من كشفته لنا الأيام، فلا مجال للتبرير أو العواطف والميول الخاصة أبداً.

سامي النصف

بلد المليون.. مظلوم!

اشتهر عن الجزائر انها بلد المليون شهيد، وأعتقد ان الكويت يمكن ان يطلق عليها بلد المليون مظلوم، فكل شرائحها الاجتماعية وطوائفها الدينية وتوجهاتها السياسية تشعر بالظلم الشديد كون «الآخر» هو دائما المستفيد من خيرات البلد وان الشريحة المشتكية هي بالطبع من يعاني من الشعور «الكاذب» بالظلم الشديد.

***

ومن المجاميع الى الأفراد، حيث يشعر كل كويتي وبدون ومقيم بشعور كاذب بالظلم الشديد رغم ان الواقع المعيش يظهر ان الكويت هي أقل بلدان العالم قسوة والأكثر عدلا بمواطنيها ومقيميها بمختلف شرائحهم وأديانهم وطوائفهم، بل ان الحقائق تظهر ان الأغلبية هم من يظلمون الكويت بأفعالهم وأقوالهم.

***

وسيجد كل وزير جديد ومنذ يومه الأول مئات الشكاوى بالظلم على مكتبه، فنحن البلد الوحيد في العالم الذي لو اختلف به طفل مع طفل لوجب رفع القضية للوزير المعني، وبالطبع لن يتمكن المسؤول بطريقة سهلة من معرفة المظلوم بحق – وما أكثر المظلومين في البلد – ومن يدعي المظلومية وهو الظالم لنفسه ومن ائتمنه على عمله.. وما أكثر هؤلاء كذلك في البلد.

***

إن ما سيقضي على ظاهرة الشعور «الكاذب» بالظلم هو تغيير الثقافة العامة القائمة على اللاعمل والمحاباة والواسطة والاستثناء والشللية، ووضع معيار واحد للترقي وهو «الكفاءة» المصاحبة للأمانة وإبعاد كل ما عداهم وهو ما يحوجنا لإحضار أنظمة إدارية جديدة متطورة من بعض دول الجوار والعالم نستطيع من خلالها ان نعرف الكفؤ فنكافئه ونعرف المهمل فنعاقبه، وبذا سينشغل الشباب الكويتي بالعمل الجاد بدلا من التواجد طوال الوقت في الشوارع إما للتسكع أو للتظاهر وكلاهما لا ينتج عنه صنع إبرة واحدة تفيد البلد.

***

آخر محطة:

بودنا من الحكومة الجديدة ومجلس الأمة الجديد ان يصلا لمعادلة ستغير وجه الكويت بالكامل يتم عبرها منع «الواسطة» القاتلة كي يركز النائب والوزير على أعمالهما الأصلية ولا ينشغلا بالعمل لخدمة من يقبل إذلال نفسه وإذلال نواب الأمة بدفعهم للتواجد عند أبواب الوزراء والمسؤولين في ممارسات باتت تدمر الإنتاجية في الكويت.

احمد الصراف

إني أعرفُ امرأة

تساءلت في مقال سابق عن سبب فقر مجتمعاتنا لمتطوعات ورائدات أعمال خير عالمية، كما كانت الحال مع «الأم تريزا»، وبالرغم من تعدد الأجوبة فإنها لم تشف غليلي! فالعمل التطوعي الذي يأخذ الإنسان بعيداً وعالياً أمر غريب على مجتمعاتنا، رجالاً ونساء، وهو أصعب مع المرأة بسبب الطريقة التي تربى بها، هذا غير معتقداتنا وتقاليدنا التي تضعها في درجة ادنى دفعت بها للتفرغ لخدمة الرجل، كحاضنة وجسد، وكأن نساء الأرض جميعاً لم يوجدن إلا لهذه الأعمال! والى ان يبزغ فجر جديد، ستبقى المرأة في مجتمعاتنا تحت وصاية الأب، الزوج والأخ، وحتى الخال والعم! ولو سألنا القلة التي تقوم بأعمال تطوعية في مجتمعاتنا لعرفنا منهن مدى ما يواجهنه من صعوبات ونقد وسخرية وهجوم وحتى تلفيق تهم.
سيمين بهبهاني، اديبة وشاعرة ايرانية، ومن القلة الواعية والمثقفة في وطن ظلم المرأة في كل عهوده، والتي رشحت لنيل نوبل مرتين، وهي ابنة الأديب عباس خليلي الذي كتب شعراً بالعربية والفارسية، وترجم ملحمة الشاهنامة للفردوسي المكونة من 1100 بيت للعربية، وعندما حاولت سيمين قبل بضعة أشهر الخروج من ايران، منعتها السلطات وحققت معها ليوم كامل، وهي التي تجاوزت الثمانين بسنوات وبالكاد تبصر شيئا! تقول سيمين في قصيدة لها ترجمتها ناهد روحاني: إني أعرف امرأة.. يملأها شغف الطيران.. لكن من فرط الهيجان.. يملكها هلع الترحال. إني أعرف امرأة.. في زاوية من منزلها.. من داخل مطبخها.. ما بين الطهي وجلي الصحون.. تنشد أغنية للحب.. حائرة نظرتها وبسيطة.. وغناها تعب وحزين.. ولها أمل في عمق الغد. إني أعرف امرأة تقول: إني نادمة.. ل.مَ علقتُ به قلبي؟ ابدا ليس جديراً بالحب.. واخرى تتمتم مضطربة.. أين المهرب من هذا البيت؟.. وتعود تتساءل: ترى.. مَن م.ن بعد غيابي.. سيمشط شعر ضناي؟ وامرأة حبلى بألم.. امرأة تبكي وتقول: نضب اللبن في صدري.. وامرأة بأوتار الوحدة.. تنسج فستاناً من تور.. وامرأة في زاوية الظلمة.. تعبد وتؤدي صلاة النور.. امرأة اعتادت الأغلال.. امرأة استأنست السجن.. وحصتها ليست إلا.. سحنة سجان عابس.. يرمقها بجفاء وفتور. اني اعرف امرأة.. يقتلها ادنى احتقار.. لكن تشدو وتقول.. تلك هي لعبة الأقدار.. امرأة تداري الفقر.. امرأة تهجع باكية.. امرأة تتحسر حيرى.. ما ذنبي؟ هي لا تعلم.. وامرأة تخفي عن الأعين.. دوالي رجليها.. والألم الكامن في جنبيها.. حتى لا يقول لها أحد.. ما أتعسك ما أتعسك! إني أعرف امرأة.. قصائدها حبلى بالحزن.. لكن تضحك وتقول.. الدنيا تلف وتدور. اني اعرف امرأة.. تهدهد صغارها ليلاً.. تقص، تغني لهم شعرا.. على رغم الاسى المدفون.. بداخل صدرها المحزون.. وامرأة تخشى أن ترحل.. أو ليست شمعة هذي الدار.. فأي ظلام سوف يسود.. إذا برحت هي باب الدار؟ وامرأة تجلس بأسى.. تداري شح سفرتها.. تقول لطفلتها، خجلى.. ألا نامي، أجل نامي، اني اعرف امرأة.. عليها بزة صفراء.. وتبكي حظها العاثر صباح مساء.. هي المسكينة لا تنجب.. ومن للزوجة العاقر؟ إني اعرف امرأة.. فقدت حتى رمق الترحال.. ينادي قلبها البائس.. ويصرخ تحت رجليها كفاك.. كفى إني أعرف امرأة صارعت شيطان النفس بداخلها، آلاف المرات، ولما انتصرت في الآخر أخذت تضحك ساخرة لفضيحة ثلة الفساق، امرأة تغني طربا، امرأة تلتزم الصمت، امرأة تمكث في الشارع، حتى في ظلام الليل، امرأة تكدح كرجل، على يدها بثور ألم، نسيت أنها امرأة، تحمل جنينا في الأحشاء، لشدة ما تداهمها، فلول الحزن والآلام، امرأة في فراش الموت، امرأة تكاد تموت، ومن عنها ترى، يسأل؟ لا أدري.. لا أدري، على فرشة صغيرة ذات مساء، تموت امرأة بهدوء، وامرأة تثأر لنفسها من رجل فاجر.. إني أعرف امرأة!

أحمد الصراف