حسن العيسى

نعم ونعمين

الجديد في الوزارة الجديدة أنه لا يوجد جديد، موظفو دولة خرجوا، وموظفو دولة دخلوا، فأين الجديد؟! الحديث عن التشكيلات الوزارية المتعاقبة مستهلك، فعدا الوزارة الأولى التي كان فيها الشعبيون الأقل تمثيلاً إلا أنهم كانوا، وللمفارقة التاريخية، الأعلى صوتاً والأثقل وزناً سياسياً. تجربة وزارة 63 مضت ولن تكرر، ولحظات حياة الدولة الدستورية الحقيقية حتى منتصف ستينيات القرن الماضي مضت أيضاً، ولن تكرر.
أستدرك، هي لن تكرر طالما بقي الوزراء الشيوخ هم المهيمنين على الدولة، وعدد كبير من أفراد الأسرة الحاكمة يقبضون على مفاصل الدولة، وهم يمثلون المرجعية السياسية بداية ونهاية، وسميتهم قبل سنوات بـ"حكومة الحكومة"، أي الدولة العميقة التي تكون قراراتها غير قابلة للطعن، والتي تحل وتربط، أما بقية الوزراء وصفوف الموظفين التي تليهم في السلم الوظيفي فهم "تحصيل حاصل"، دورهم محدود بحكم أعراف المشيخة، قراراتهم لها سقف محدود سلفاً، لا يمكن أن يتجاوزوه، قراراتهم تكون دائماً من "شؤون" الإدارة، أما أعمال السياسة، فهي في الغالب، لها وفق "الأعراف المشيخية" طابع السيادة.
في تلك الأعمال يمكن أن يسمح لرأي أو أكثر من طبقة الموظفين الكبار في أن يفصح عن نفسه في الإصلاح أو التطوير أو حتى "التعطيل"، لكن بحدود، وليس له أن يتجاوزها، فيكون لهم "رأيهم" الاستشاري، ولا أكثر. مساحة حرية الوزير في طرح إصلاحات جدية، أو تطوير حقيقي في مؤسسات الدولة محدودة بسقف من لهم حق النقض "الفيتو" من حكومة الحكومة، فما الجديد عن وزارة اليوم؟
حكومة الحكومة، أي وزارة الشيوخ هي بالعادة، ثابتة لا تتغير، ولا تتطور، قد يتغير أشخاص، يذهب بعضهم (أحياناً) ويجلب غيرهم، لكن المنهج واحد، والفكر ثابت، يدور حول محور يلخص بكلمتين "إحنا أبخص"، فهم أبخص اليوم في معرفة التوازنات السياسية، وكيف يمكن قمع المشاغبين في أحايين، أو شراؤهم في أحايين أخرى، بين سياسة القمع والشراء، أي سياسة العصا والجزرة تدور السياسة الكويتية حول نفسها لا تتقدم. لكنها تتأخر بحكم الاستفراد السلطوي بشؤون الدولة.
نهاية، أعتقد أن "حكومة الحكومة"، من حزب الولاة الحاكمين، محظوظون اليوم، فلها مجلسان استشاريان، واحد اسمه مجلس الوزراء، يقول: نعم، والآخر مجلس الأمة يردد الصدى: بنعمين.

احمد الصراف

كلام الأسدي المؤلم

يقول خلدون الأسدي، الذي ينتمي الى قبيلة شيعية عراقية معروفة تقطن في جنوب العراق، ومن سكان الناصرية، انه وعلى مدى 80 عاماً من حكم السياسيين السنة في العراق، وكان خلالها موظفا لاكثر من عشرين عاما، لم يشاهد في أي دائرة حكومية او نقابة او اتحاد او جمعية او منظمة صورة او علما او لافتة لرجل دين سني او رئيس جماعة سنية او جهة دينية سنية او شعائر دينية سنية! ولكنه من جانب آخر، وخلال 5 سنوات من حكم الشيعة، رأى اللافتات والصور والاعلام لرجال دين ومراجع دينية ورموز طائفية وطقوس وشعائر طائفية شيعية تملأ الدوائر الحكومية والمؤسسات والمنظمات والاتحادات والاحزاب! ووصل الأمر لدرجة أن يترأس بعض الوزراء الشعائر الطائفية في وزاراتهم ومن ضمنها طبخ وقرايات بشكل منفر للشيعة المتعلمين فكيف بغيرهم. والأسوأ ارغام موظفين من مختلف الشرائح على حضور المناسبات، ومن يتغيب يعتبر ضد النظام ويوصف بالناصبي أو الوهابي او البعثي. كما تطرق الى مشكلة وجود ضباط امن من احزاب السلطة الشيعية من الذين لديهم صلاحيات واسعة. كما قام افراد جيش المهدي، خلال سطوتهم وأثناء المناسبات الدينية، التي اصبحت لا تعد ولا تحصى، بتبليغ الناس بوضع الاعلام الطائفية ورفع الصور والشعارات خلال هذه المناسبات. ويبدو ان بعض الناس في الاحزاب الطائفية متخصصون في البحث عن المناسبات الدينية التي لم نكن نعرفها ولم يسجلها المؤرخون، مثل استشهاد الرسول، على اساس انه توفي مسموما! وهؤلاء لا يعرفون ان مقام النبوة اعلى من مقام الشهادة، ولكن بسبب ولعهم التأريخي الماسوشي بالتغني بالشهادة التي بدأوا يطلقونها على كل من هب ودب ويكتشفونها من سنة الى سنة ليزيدوا المناسبات الدينية التي يستخدمونها لتحويل الناس عن مصالحهم وأعمالهم وما يفيدهم، وكأن الهدف في الحياة هو البكاء واحياء المناسبات الدينية التي حولت حياة الناس العاديين من الواعين الى مأساة، خصوصا أنهم يعلمون بالبرنامج المخابراتي والسياسي من وراء ذلك، والذي يقصد منه ابقاء هؤلاء على تخلفهم وجهلهم، ودفعهم عدة مرات كل شهر الى زيارة المقامات الدينية والمدن المقدسة في زيارات مليونية ليتفاخروا بعدد الزوار ضد الخصوم السياسيين، مما يدل على أن الهدف سياسي بحت من وراء إقامة هذه المناسبات. وقال ان عدد الاذاعات والفضائيات التي أصبحت تسرح وتمرح وتقدم مختصين بتفسير الاحلام وطب الاعشاب وطب الائمة والطب النبوي والحجامة وتجبير الكسور والاحوال الشخصية والاحوال السياسية وحتى الرياضية، وأن الأمر اصبح كبيرا وخطرا جدا، وأظهرت مقدميها من رجال الدين وكأنهم يعلمون كل شيء!…وإلى آخر المقال.
ولكن المؤسف أن ما ذكره د.الأسدي اصبح ظاهرة في غالبية المجتمعات الشيعية، فالمظاهر الدينية التي أصبحنا نراها في السنتين الأخيرتين في الكويت، على الأقل، لم نكن نعرفها أو نراها بمثل هذه الصورة والكثافة، ولا يعني ذلك ان الشيعة أصبحوا الآن اكثر فهما لعقيدتهم من قبل، بل من الواضح أن المستفيدين من الوضع أصبحوا اكثر واشد استغلالا. ونتمنى ألا تدفع «المخرجات الانتخابية» الأخيرة إلى أن نصبح في وضع يشبه، ولو قليلاً، ما يحصل في العراق، فلسنا بحاجة الى مزيد من التشدد، ولا الى مزيد من المظاهر الطائفية، فالكويت وطن الجميع والأرض تسعنا كلنا، ولكنها ستضيق إن حاولت فئة التطرف أكثر من غيرها، أو التهجم على معتقد الآخر واستفزازه، ولا ننسى ان الدنيا «قلابة»، ولا شيء يبقى على حاله، ومن يصر على موقفه لن يحصد غير النفور والكراهية وبعدها الحرب التي ستحرقنا جميعاً.

أحمد الصراف

www.kalama nas.com