فجأة تحولت الكويت إلى mbc2، وتحول عيالنا في مناطق الصباحية وصباح الناصر والجهراء وغيرها إلى نجوم هوليوود، وملأ فهد وحزام وسعود وراكان وشافي ومطلق ووو شاشة السينما، وشاهد الجميع تحركاتهم وصيحاتهم على وقع القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والصافرات… لم يبق إلا جائزة الأوسكار، والمشي على السجاد الأحمر ليكتمل المشهد.
ومن كان يعتقد أن "الترف المادي" حوّل الشبان إلى كائنات بليدة لا حس لها ولا مشاعر ولا عقل، فقد ثبت له بالدليل القاطع الساطع أن عقله بحجم عقول المستشارين والعياذ بالله (في الكويت إذا أردت أن تصف شخصاً بالغباء الفاخر تقول "أغبى من مستشار").
المشكلة الكبرى هي الزاوية التي ينظر من خلالها الفريقان إلى الأزمة، فريق السلطة بأجهزتها وإداراتها ومستشاريها وفريق الشبان المعترضين على المرسوم، إذ يعتقد الفريق الأول ويؤمن بأن الأزمة يجب أن تحاط بالهيبة والقمع ودخان قنابل الغاز وأزيز الرصاص المطاطي، في حين ينظر الشبان إلى الأمر بمنظور، أو قل بمنظار، آخر مختلف كل الاختلاف، فالأزمة بنظرهم كرامة شعب وقصة مرجلة وسيرة شخصية يريد أن يسطرها كلٌّ بطريقته، وهو لذلك يخشى التراجع حتى لا يقع فريسة احتقار أقرانه من الجيران وأبناء العمومة.
وافتحوا آذانكم لهذه الجملة التي سأضعها بين مزدوجين، واحفظوها عن ظهر قلب، وخذوا هذا المنظار لتشاهدوا من خلاله حقيقة المشهد: "كل تعليقات المعلقين السياسيين والمنظرين والمحللين وتقارير أمن الدولة والقوات الخاصة ومقاطع الفيديو والتعليقات عليها ووو، لا تعادل في سوق صرف أيّ من الشبان أولئك نظرة كل منهم للآخر". أعيدي يا سلطة قراءة هذه الجملة مرتين وأكثر لعل وعسى.
أقول هذا وأزعم أنني أعرف فحوى، أو جزءاً من فحوى نقاشهم بعد كل مسيرة وقبلها.
اليوم: 11 ديسمبر، 2012
يومنا المحلي لقهر الإنسان
أمس كان اليوم العالمي لإعلان حقوق الإنسان، ومنذ يومين كان اليوم المحلي لتكبيل عباس الشعبي بالكلبجات وزجِّه في السجن احتفاء بمناسبة خروجه من المستشفى بعد إصابة بليغة في رأسه من جراء قنبلة دخانية ضربت رأسه "المشيّب" في مظاهرةِ رفضٍ لسياسة الفرض من أعلى. جريمة عباس، الذي تحتفي بخروجه من المستشفى دولة القوانين "العادلة"، أنه خرج متظاهراً ضد استفراد السلطة بالقرار السياسي وتهميشها لأغلبية المواطنين.
أمس كان اليوم العالمي لحقوق الإنسان، ووزارة الداخلية الساهرة على أمن وراحة المواطنين رفضت تجمعاً أو مسيرة لمواطنين بلا هوية (تم التعارف على تسميتهم بالبدون)، فلا يجوز حسب القانون وأعراف القهر المستقرة أن يتجمع بشر منكوبون في وجودهم وهويتهم ليوصّلوا في يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان رسالة تصرخ بألم قائلة إنهم أيضاً من بني الإنسان، ولهم حقهم في الانتماء إلى وطن وُلِدوا فيه وضحّوا من أجله، فالدولة (الحكومة الحاكمة بآمر الله) لا تمانع أساساً أن يخدم المواطنون بلا هوية في الجيش والشرطة حسب متطلبات الدولة الأمنية، لكن لا يجوز منح هؤلاء ترخيصاً للتجمع السلمي، فهذا من حق "الكفيل الكويتي" الذي يجب عليه أن يقدم طلباً بالمسيرة أو الاجتماع أو التجمع (كله بصل عند فقهاء إسبارطة الخليج)، ولا يحق لأهل القضية أنفسهم أن يعبروا عن واقع ظلمهم، وإنما يجب أن يوكلوا أصحاب الجناسي في ممارسة حق التعبير، ولأول مرة تستحدث الدولة الكويتية مفهوماً قانونياً خاصاً لممارسة حق التعبير والشكوى بالوكالة!
أمس كان اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وكثير من الأحداث المتظاهرين يقبعون في السجن، طبعاً هذا لا يخالف القوانين المرعية، ولو كانت المدام المرعية تضرب بعرض الحائط المواثيق الدولية في معاملة الأحداث.
أمس اليوم العالمي لحقوق الإنسان، ومازالت قوانين الدولة وممارستها تزخر بانتهاكات كبيرة لهذا الإعلان من حظر القضاء النظر في قضايا الجنسية، إلى قوانين المطبوعات والنشر، وقانون عدم جواز منح غير المسلمين الجنسية، ومواد قوانين أمن الدولة، إلى غياب قانون ينظم شؤون الخدم الخصوصيين… والقائمة تطول، لكن من يكترث لكل هذا مادمنا، نحن، نأكل ونشرب وننام و"مو ناقصنا شي" في دولة "يارب لا تغير علينا"، ورغم أننا تغيرنا فعلاً فإن سلطة الحكم مصرة بعناد على أن تردد على مسامعنا أغنية مصطفى أحمد "ترى احنا ما نتغير…"! نعلم يا شيوخنا أنكم لا تتغيرون لكننا "غيركم" نحن نتغير!
لا جديد عندنا في اليوم العالمي لحقوق الإنسان غير احتفال جمعية الخريجين بذكرى إنسان وقف صلباً في زمن جميل مع قضية الإنسان، وقال عندما طُلِب منه قمع المتظاهرين عام ٥٨ إن واجبه هو حراسة حرياتهم لا قمعهم… واستقال من منصبه الأمني، بعد أن تأكد أنه منصب قمعي… إنه الراحل جاسم القطامي، فلنترحم عليه وعلى حال حقوق الإنسان.
لماذا لديهم أم تريزا؟
كان لمقال «مَن القديس ومَن المجرم؟» حظ كبير من التعليقات، وحتى «الشتائم». وقد نبهني قارئ لخطأ في المقال تعلق بوطن الأم تريزا، وانها ألبانية، وليست برتغالية، كما ورد في مقالي! دفعني هذا للبحث أكثر في موضوع جمهورية ألبانيا، التي كانت لقرون، الدولة المسلمة الوحيدة في أوروبا، قبل ان يميل أتاتورك بدولته الفتية نحو أوروبا ولتتبعها البوسنة، بغالبيتها المسلمة وتصبح الدولة الثانية في أوروبا، بعد استقلالها، ولتلحق بهما كوسوفو التي لا تزال تصارع لتثبت وجودها. كانت ألبانيا طوال تاريخها دولة هامشية، ولم يشتهر من شعبها أحد تقريبا، واسمها الرسمي، بلغتها، «شغيبريسي Shqipërise»، ولا أعرف لماذا اشتهرت بــ «ألبانيا»! ويبلغ عدد سكانها 3 ملايين، وهي دولة طاردة، بسبب فقرها، فقد امتد شعبها ليغطي كوسوفو والجبل الأسود والبوسنة وغيرها، وبقيت الدولة تحت الحكم العثماني خمسة قرون قبل أن يسيطر الصرب واليونانيون عليها! ومع الحرب العالمية الثانية احتلها موسوليني، وعين الملك حمد زوغو حاكما عليها. وبعد الحرب سيطر الشيوعيون على ألبانيا ليصبح أنور خوجه Hoxha Enver زعيما لها لأربعين عاما، حول خلالها ولاءه من روسيا إلى الصين! وعندما توفي عام 1985 انفتحت ألبانيا على العالم، وإن ببطء، وانتخب فيها أول رئيس غير شيوعي.
ولدت آغنيس غونكزا بوجاكسيو عام 1910 في عائلة يوغسلافية تعود بأصولها للأقلية المسيحية في ألبانيا، وكانت تعمل فلاحة في بداية حياتها، قبل أن تتعلم في مدارس الرهبان اليسوعيين في بلدها يوغسلافيا، وترسل في أواخر عشرينات القرن الماضي إلى ايرلندا لتلقي التأهيل الديني، ومن بعدها للبنغال، ولتصبح بعدها راهبة وتتسمى بـ «الأخت تريزا». ركزت الأم تريزا، وهو اسمها بعد أن نذرت نفسها للرهبنة، جهودها على المعدمين والأطفال المهملين والعجزة والمصابين بالجذام، ودفعتها اهتماماتها للسفر للهند والبقاء فيها والانطلاق منها لغيرها لمساعدة المنكوبين والمحتاجين، وكسبت جهودها الخيرة طوال نصف قرن احترام كل الدول وقادة العالم، ومنحت أعلى الأوسمة والجوائز وأرفع الألقاب، ونالت تقديرا لم تنله امرأة في التاريخ. وبالرغم من إيمانها المسيحي الذي ظهر في الكثير من أقوالها الشهيرة، فإن يومياتها كشفت جانبا مخفيا من شخصيتها الشكاكة والقلقة وأزمة إيمان حادة، إلا أن ذلك لم يمنع الفاتيكان من تطويبها كقديسة، مبررة ذلك بأن جوانب الروح المظلمة شأن معروف لدى الكثير من القديسين.
والآن لماذا لا توجد في مجتمعاتنا رائدات أعمال خير عالمية تشبه «أم تريزا»، ولو من طرف بعيد؟ الجواب واضح ومعروف ونتركه لمقال مقبل، إن رأى النور.
أحمد الصراف
www.kalama nas.com