يعتبر «جين دو لافونتين» (1621-1695) Jean de La Fontain واحداً من أكبر شعراء فرنسا في القرن الـ17، وكان يعرف بحبه لرواية الأساطير، والمبالغة المفرطة فيما يكتب من خزعبلات وحكم أحياناً. ويعتبره البعض من أوائل من عرف تركيبة اللغة الفرنسية وأسرارها، حتى قبل أديب فرنسا الكبير فيكتور هوغو، وقد كرّمته فرنسا عام 1995 بإصدار مجموعة من الطوابع باسمه. وفي تحريف طريف لإحدى قصصه الخيالية عن الصرصار والنملة قال المرسل: كان يا ما كان في قديم الزمان نملة وصرصار، وكانا صديقين حميمين! وفي الخريف، كانت النملة الصغيرة تعمل من دون توقف، تجمع الطعام وتخزّنه للشتاء. ولم تكن تتمتّع بالشمس، ولا بالنسيم العليل في الأمسيات الهادئة، ولا بالأحاديث الطيبة بين الأصدقاء، وهم يتلذذون بتناول البيرة المثلّجة بعد يوم كدٍّ وتعب. وفي الوقت نفسه، كان الصرصار يحتفل مع أصدقائه في حانات المدينة، يغني ويرقص ويتمتّع بالطقس الجميل، ولا يكترث للشتاء الذي أوشك على الحلول. وحين أصبح الطقس بارداً جدّاً، كانت النملة على أتم الاستعداد لاستقباله، فقد ملأت بيتها بمونة الشتاء حتى السقف، واستعدت لأن تخلد للنوم دون خوف أو فزع، ولكنها ما كادت تغلق الباب في وجه الريح الباردة حتى سمعت من يناديها من الخارج، ففتحت الباب، ودهشت لرؤية الصرصار يدعوها إلى الخروج لرؤية سيّارته «الفرّاري»، وكان يرتدي معطفاً غالياً، وقال لها: مساء الخير يا صديقتي النملة، جئت لأخبرك بأنني سوف أقضي الشتاء في باريس، هل تستطيعين، لو سمحت.، الانتباه لبيتي خلال فترة غيابي؟ فأجابت النملة: طبعاً، فلا مشكلة لدي. ولكن قل لي: ما الذي حصل؟ من أين وجدت المال للذهاب إلى باريس؟ وكيف اشتريت هذه «الفراري» الرائعة وهذا المعطف؟ فأجابها الصرصار: تصوري، كنت أغنّي في الحانة الأسبوع الماضي، فأتى منتج وأعجبه صوتي، فوقعت معه عقداً لإقامة حفلات في باريس طوال فصل الشتاء. آه، كدتُ أنسى. هل تريدين شيئاً من باريس؟ أجابت النملة: نعم! إذا رأيتَ الكاتب الفرنسي لافونتين قل له: صديقتي النملة تسلم عليك وتقول لك: يلعن أبوك، على أبو نصايحك! والعبرة هنا، من خلال التغيير الجذري في سياق القصة/ الحكمة، أن علينا التمتع بالحياة، وإيجاد التوازن اللائق بين العمل والراحة، لأن الفائدة من العمل المبالغ فيه غير موجودة إلا في الأساطير، أو قصص لافونتين. وإن علينا العيش للعمل وللتمتع بالحياة وليس بأحدهما فقط، فلن يستمتع من وراء امال لبخيل غير ورثته. وفي هذا السياق يقول الكاتب المصري الراحل جلال عامر: نحن الشعب الوحيد الذي يستخدم «المخ» في السندويشات! ويقول: لم يعد أحد في مصر يستحق أن نحمله على أكتافنا إلا أنبوبة الغاز. ويقول إن من السهل عزل الملوك، ولكن من الصعب تغيير السلوك. ويقول: الحرب يخطط لها «الدهاة».. ويصنعها «الشجعان».. ويرثها «اللا مؤاخذة»! وأخيراً: البلد فيها ناس عايشة كويس، وناس كويس إنها عايشة.
* * *
• ملاحظة: ورد في مقال يوم الأربعاء الماضي بعنوان «أحلام بثينة ومركز وعكر» اسم اعتقد البعض أنه مقصود به شخصية محددة، وهذا غير دقيق، فالاسم وفحوى المقال من وحي خيالي، وبالتالي لا وجود لشخصية «بثينة»، كما ورد في المقال، على أرض الواقع.
أحمد الصراف