تشكو الكويت، كغيرها من الدول المتخلفة، من تخمة في القوانين غير العملية، وغير المطبقة اصلا، مع فقر واضح في التشريعات الضرورية، بحيث نكتشف مثلا أن قانون التجارة في دولة تجارية منذ نشأتها يحتاج الى أن يمرر بمرسوم ضرورة، ربما لأن مجالس الأمة المتعاقبة منذ نصف قرن لم تفكر في دراسة هذا القانون وإقراره بطريقة سليمة. وبالتالي لم يكن مستغربا وجود كل هذا الكم الهائل من المخالفات لدينا وفي أي دولة عربية أخرى، إن بسبب نقص القوانين و«تفاهة» العقوبات في الموجود منها، أو بسبب التقصير المرعب في تطبيق القانون، وخير مثال على فساد الجهاز الإداري النتيجة التي انتهت اليها جرائم المتاجرة بالبشر وبيع الإقامات والمتاجرة بالأغذية الفاسدة، كما أن هذا الوضع دليل آخر على عجز أغلب مشرعينا، منذ نصف قرن، في معرفة متطلبات الدولة الحديثة، هذا غير تخلف معظمهم وفسادهم!
وما ان قامت الحكومة قبل بضعة اشهر بالإعلان عن «تجميد» أعمال لجنة إزالة المخالفات، بمناسبة بدء الصيف (!!)، وبعد استقالة رئيسها الشهم الفريق محمد البدر، كتبنا ناعين عملها، من دون طلب الرحمة لها، وقلنا ان الفوضى والتسيب وسرقة أملاك الدولة وإساءة استخدامها ستعود كلها لسابق عهدها، وان آلاف المواطنين «المؤمنين» سيفرحون بقرار تجميد أعمال اللجنة، التي أتعبت الكثير من السراق، الذين لم تمنعهم صلواتهم اليومية من استغلال رصيف لإقامة خيمة ولا من إقامة ديوانية في ساحة للدولة، لاعتقادهم، لا بل ولإيمانهم، بأنهم إنما يأخذون بعضا من مال عام لهم نصيب فيه!
وأتذكر أن الفريق البدر اتصل بي وقتها مطمئنا، وبأن من تولى رئاسة اللجنة رجل فاضل، وان الأمور لم تتغير، فقلت له بأن الأمر لا علاقة له بالرجل بقدر علاقته بنوايا الحكومة، التي ربما سئمت من نشاط اللجنة الزائد، وكان عليها بالتالي أن «تخفف الرمي»، وربما تسمح لبعض المخالفات بالعودة، انسجاما مع الكثير من عاداتنا وتقاليدنا! ومع بدء موسم إقامة المخيمات فقد بدأت بالفعل المخالفات بالظهور، بعد ان أحس المخالفون باختفاء آليات لجنة الإزالة، وبعد أن اطمأنوا إلى أن مخالبها قد أزيلت! وهذه المخالفات إن لم تزل في اسرع وقت فستتحول حتما لديوانيات وبقالات ومساجد مؤقتة، وتكتسب مع الوقت «شرعية وضع اليد»! وأعلمني مصدر قريب من اللجنة أنها في حالة شلل تام، خاصة أن الكثير من معداتها وآلياتها المستأجرة لم يتم تجديدها منذ بداية الصيف الماضي، لعدم وجود ميزانية، علما بأن الدولة امتلكت ميزانية 14 مليون دولار لإنفاقها على أعمال نارية فاشوشية. كما يقال ان عدد موظفي اللجنة قد تقلص للحد الأدنى اللازم للقيام بالأعمال الورقية! ويقال ان من ضمن وسائل شراء رضا المواطنين، بخلاف العطايا والهدايا، غض النظر عن مخالفاتهم!
وهنا نتمنى ألا تدفن منجزات اللجنة، فقد قامت بمجهود كبير تشكر عليه، وألا يأتي وقت نقول فيه: «تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي»!
أحمد الصراف