سامي النصف

الكويت تشهد بزوغ طبقة سياسية جديدة

التهنئة القلبية للخمسين عضوا في مجلس الأمة الجديد الذي نرى ان يبدأ أعماله بنهج جديد وثقافة جديدة تخلقها الطبقة السياسية الجديدة التي اختارها الشعب الكويتي عبر انتخابات حرة نزيهة، ان القادم لا الفائت هو الأفضل وبإمكان المجلس الحالي ان يكون وبحق افضل مجلس امة في تاريخ الكويت فيما لو ركز على التنمية وابتعد عن الأزمات خاصة بعد السنوات الست الأخيرة التي حصدت مجالسها لقب أسوأ المجالس وأكثرها عرقلة لطموحات الكويتيين وإضرارا بمستقبل أبنائها وشبابها.

****

إن أفضل ما يبتدئ به المجلس الجديد أعماله التوافق على إيقاف عمليات الاستجواب الكرنفالية القائمة على «الشخصية» لا على «القضية» والتي كانت المتسبب الأول في انتشار الفساد التشريعي والإثراء غير المشروع ومن ثم العودة الى مسار الآباء المؤسسين ومجالسهم المنجزة التي أوصلتنا إلى موقع الريادة في المنطقة كونها لم تشهد عمليات الاستجواب التي يقصد منها التكسب وادعاء البطولات الفارغة على حساب مصلحة البلد كما كان يحدث في مجالس العشرين عاما الماضية.

****

إننا بحاجة لخلق طبقة سياسية جديدة ذات ثقافة جديدة تقوم على رماد الطبقة السياسية المدمرة الماضية، طبقة وثقافة جديد تهتم كل منهما بالنهوض بالكويت من كبوتها وتنمية ثرواتها والحفاظ على مستقبل أجيالها بدلا مما كنا نراه من حرص على تنمية ثروات الطبقة السياسية المنقرضة وتحويل ابنائها الى ابناء أباطرة وقياصرة.

****

وليس هناك ما هو أفضل من الأعمال التي تحقق المراد بأقصر الطرق، فمن لا ينجز من مسؤولي الوزارة الجديدة يتقدم النواب بطلب إعفائه ومحاسبته مقدمين القرائن والبراهين لكبار المسؤولين دون الحاجة إلى إشغال البلد باستجوابات كرنفالية مطولة اثبتت التجارب انها تنتهي كل مرة الى لا شيء ولم يسترد قط فلس احمر للخزينة العامة من تلك الممارسات التي تشغل البلد ومسؤوليه عن القيام بأعمالهم لخدمة الشعب. ان مهمة البرلمان الجديد هي النهوض بالبلد والرقابة والمحاسبة الفاعلة عبر أقصر الطرق لا أطولها.

****

آخر محطة:

(1) نرجو أن تسرع الحكومة الجديدة والمجلس الجديد باستبدال التشريعات القديمة المعرقلة التي دمرت ـ بقصد وتعمد ـ البلد وتسببت في تخلفه بتشريعات جديدة متطورة يمكن استيرادها بأسهل وأقصر الطرق من الدول الخليجية الشقيقة.

(2) إسقاط الاستجوابات والأزمات السياسية من أجندة المجلس الجديد يعني إتمامه السنوات الأربع وهو ما يخدم مصالح البلد العليا كما انه جزء من الثقافة السياسية الجديدة التي تهتم بالانجاز لا بعرقلته.

حسن العيسى

«عين عنچوه»

"ولكم عين بعد"! خطابي هذا لليبراليي "القرود الثلاثة" ومنظريهم من كتاب وفلاسفة الصوت الواحد بالمجلس الوطني الجديد، أسألهم إن كان لهم "عين" ليكتبوا، وينظروا، ويبرروا "أيامنا الحلوة" القادمة بمجلس "الشيوخ أبخص".
أسألهم متهكماً عن عالم الحريات العظيم القادم بعد أن منعت السلطات الأمنية بدولة الكويت، العضو بمجلس التعاون الخليجي، الكاتبة السعودية بدرية البشر من دخول الأرض الكويتية بحجة لا يعلمها إلا الله!
أسألهم إن كان لهم عين كي يبشرونا عن عالم انطلاق حرية التعبير والتفكير بالعهد القادم، أسأل هؤلاء المقتدين بحكمة القرود الثلاثة "لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم"… هل من جديد لديكم؟! هل من تفسير عندكم لهذه الحكومة التي لا يناطحها أي مجلس أغلبية حين صادرت حرية بدرية في الدخول لوطنها الثاني، وقبلها بليلة واحدة أوقفت الكاتب مشعل الذايدي عند الحدود الكويتية السعودية، وأودع مكبلاً في المخفر بتهمة قوامها النبش في صدر الكاتب ونيته عن المقصود بمقال كتبه قبل فترة…؟!
أسألكم إن كان لكم عين كي تتبجحوا بكتاباتكم الهزيلة عن اليوم الليبرالي الموعود بعد التهم التي تكال لعدد من المغردين، والتي أضحت كالمخالفات المرورية مثلما كتب أحد المغردين، إن كان هذا مفهومكم لحرية التعبير في الكويت الجديدة القادمة، كويت الصوت الواحد، وإلا كيف تفهمون حرية التعبير، وكيف تفسرون ديمومة صمتكم عن قوانين "دراكو" الرهيبة حين تحاصر العقل الحر؟!
هل شاهدتم مسيرة الأحرار بشارع الخليج أمس الأول؟ أم كنتم عمياناً، ولم تروا ما يقارب ربع سكان الكويت يسيرون برؤوس مرفوعة ويهتفون "لا للصوت الواحد"، هل رأيتم المسيرة وأعداد المشاركين الرهيبة أم أنكم مثل القرد الأول… لا يرى شيئاً؟!
هل سمعتم "شيلات" الشاعر المبدع أحمد سيار العنزي تزلزل الأرض أم أنكم مثل القرد الثاني الذي لا يسمع؟! هل ستصرخون مطالبين بحرية وجودكم التي صودرت من السلطة أم أنكم مثل القرد الثالث لا يتكلم، ولا ينطق، هو يتأتئ بلغو غير مفهوم؟
ماذا تفعلون الآن… هل تنتظرون المعجزات المذهلة لنوابكم القادمين السائرين بهدي توماس جيفرسون وبيكون وروسوكي، لكي يشرعوا لكم أبواب الحريات الموعودة…؟!
أبشروا بالخير… فقد استبشرت قبلكم حين منعت من الدخول بدرية البشر.
أسألكم في النهاية… إن كان لكم عين كي تتبجحوا متعالين على خلق الله الأحرار الذين سمعت صوتهم وعرفت نتائج تصويتهم بمسيرة "حرية وكرامة" بشارع الخليج… أم أن عيونكم عين "عنچوه" المتبجحة؟! لم أكن أعرف من هي أو "هو" عنچوه… لكني عرفته الآن… هو أنتم لا غيركم.

مبارك الدويلة

هذا مجلسكم

مع صدور هذا العدد من القبس تكون نتائج الانتخابات قد ظهرت، وعرفنا من نجح ومن لم ينجح، وعرفنا كذلك نسبة المشاركة إن كانت تتجاوز الخمسين في المائة أم أقل! وعرفنا – وهو الأهم – إن كان هذا المجلس يستحق أن يمثل الشعب الكويتي أم أنه مجلس طارئ!
من المؤشرات الأولية، نقول إن حملة المقاطعة نجحت ابتداء، حيث لم يترشح لهذه الانتخابات إلا قلة قليلة من أصحاب الرأي والخبرة والتاريخ النظيف، ومعظم من تم ترشيحهم ليس لديهم تاريخ سياسي معروف، ولا هم من أصحاب الفكر والرأي! والمؤشر الآخر على نجاح المقاطعة هو مسيرة «كرامة وطن 3»، التي خرج فيها حشد غير مسبوق قُدّر بمائتي ألف مواطن. وقد تميّزت هذه المسيرة بمشاركة واضحة من مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي.
نرجع إلى المجلس الجديد، حيث من المتوقع نجاح بعض أصحاب السوابق الجنائية، الذين شطبتهم اللجنة العليا للانتخابات بمن فيهم نواب القبيضة السابقون، الذين لم يتم الإفراج عنهم من النيابة إلا بكفالة خمسة آلاف دينار، مما يؤكد وجود شبهة في تضخم حساباتهم بشكل مشبوه.
كما من المتوقع أن ينجح نواب الطائفة الشيعية، الذين سيزيد عددهم إلى أكثر من عشرة نواب، ولأول مرة في تاريخ المجالس النيابية! أما البقية الباقية من هذه التشكيلة، فهم إما مرشحون نزلوا ربما بقوة المال السياسي الذي دفع لهم أو بقوة دعم مراكز قوى اجتماعية واقتصادية، أو من العناصر التي لم تشبها شائبة، نجحت بأصوات من جاء يشارك اقتناعاً بأهمية المشاركة ودعماً لما يظنه إصلاح المؤسسة التشريعية!
السؤال الآن: من الذي لن نراه في هذا المجلس؟!
والجواب ببساطة: هم نواب الرأي والفكر، من اليسار واليمين، ونواب القبائل الكبيرة في الكويت، الذين استطاعوا أن يمثلوا قبائلهم بامتياز، وتمكنوا من تشريف من يمثلونه بمواقفهم الوطنية واستطاعوا أن يغيّروا من صورة نائب المناطق الخارجية الانبطاحي إلى نائب المواقف القوية.. سيختفي نواب مستقلون، تمكنوا من إقناع قواعدهم بأدائهم المتميز.
وأخيراً.. ماذا عن هذا المجلس؟!
أعتقد أن هذا المجلس معرض للفشل أكثر من إمكانية النجاح له! السبب.. أكثر من سبب.. الإمكانات البشرية الفكرية المتاحة غير مؤهلة لتمرير مشاريع مدروسة بنجاح بحجم المشاريع المعروضة عليه! كما أن الحكومة، التي ستشكل وتدير وتنفذ المشاريع المقرّة، لن يتوافر لها الدعم الناصح من البرلمان، حيث ستجد أمامها برلماناً مطواعاً لا يعرف كلمة «لا»، وإن قيلت «لا» فهي للابتزاز ليس إلا!
وهذه مشكلة ستواجه رئيس الوزراء المقبل، فبعض النواب من تجربتنا السابقة معهم، إما تمرر له معاملاته غير القانونية، وإلا «راح اصعدك عالمنصة!» وما أكثر هذه النوعية في هذا المجلس.
إذاً فلا الحكومة مؤهلة، ولا المجلس قادر على النجاح. فكيف إن توافرت معارضة عاقلة مدركة حكيمة، تسعى لإيجاد برلمان ظل يفضح خراب البرلمان الموجود؟!
يبقى القول إنه من المتوقع وجود نوعيات قليلة جيدة ذاتياً، وعناصر مؤهلة في هذا البرلمان، لكن الكثرة تغلب الشجاعة!
***
• أثناء مسيرة «كرامة وطن3»، وعندما كنت أستمع إلى الصيحات والشيلات، تذكرت الحاضر الغائب العميد الشاعر -المرحوم بإذن الله- مطلق عباس حبيب مناور، وتذكّرت معه دواوين الإثنين وشيلاتها، كما لم يغب عن ذهني الشهيد مبارك النوت. عليهما رحمة الله.

سعيد محمد سعيد

جمبازية السياسة والإعلام الجمبازي

 

لعلَّ من أفضل «حسنات» حركات المواطن العربي المطالبة بالحقوق المشروعة التي شهدناها منذ ثورة الياسمين في تونس واستمرارها في مختلف بقاع الوطن العربي حتى اليوم تحت مسمى الربيع العربي، هي افتضاح أمر الكثيرين من جمبازية السياسة… وخصوصاً المحسوبين على الحكومات! وسقوط الإعلام الجمبازي بعد أن قفز بصورة غير مسبوقة في الحياة اليومية للمواطن العربي.

طيلة العامين 2011 و2012 تابع ملايين العرب ألعاب جمباز مسلية جدّاً ظهر فيها أولئك الساسة على الشاشات الفضائية وهم يمارسون الجمباز السياسي في أعلى درجات الإتقان والمهارة بالصورة التي تفوقوا فيها كثيراً على وزير الإعلام (الشهير في عهد المقبور صدام حسين) محمد سعيد الصحاف، حتى أن طرفة انتشرت بين العراقيين وغيرهم تقول إن الصحاف عقد مؤتمراً صحافيّاً أعلن فيه أن اسقاط أحد تماثيل صدام كان (إنزالاً) بهدف «الصيانة» وليس كما يدعي «العلوج»! وتندر آخرون بالقول إن الصحاف «مات»! لكنه اتصل من قبره مؤكداً أنه لا يزال على قيد الحياة وسيوافيكم بالتفاصيل قريباً.

على أية حال، أسهمت «جمبازية» الساسة والمتحدثون باسم الأنظمة الديكتاتورية المتهاوية في إضافة حالة من الوعي بين الجماهير، وخصوصاً مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني الهائل؛ بحيث أصبح من اليسير كشف تناقضهم وتحايلهم بتقديم التصريحات المتناقضة نصوصاً ومقاطع صوتية ومرئية، وكان لنماذج النفاق والانقلاب واللعب على الحبلين أثرها في وضع أصحابها في قائمة الكذابين المتملقين المنبوذين.

*سئل أحدهم في حوار فضائي بينما كان ملايين المصريين يحتشدون في ميدان التحرير منذ انطلاقة ثورتهم يوم (25 يناير كانون الثاني 2011) عما ستؤول إليه الأوضاع في مصر، وهل سيتنحى مبارك أم لا؟ فقال :»إزاي وليه يتنحى الريس؟ فكل هؤلاء الذين يقفون الآن ضده؛ إنما هم يطبقون أجندات خارجية، ويتآمرون مع قوى اقليمية للإضرار بمصر وشعبها… شعب مصر مش هيتنازل عن الريس أبداً… فليكن معلوماً».

وبعد سقوط مبارك، شارك الرجل ذاته في مداخلة بأحد البرامج وكان «يلعلع» بعالي الصوت بأن عهد مبارك كان عهد الاستبداد والظلم والفساد والعبث بمقدرات مصر وأبناء مصر وحكم القطب الأوحد… وأنه من الناس الذين كانوا سيضحون بكل ما يملكون من أجل إسقاط ذلك الطاغية!

آخر عرفه الشعب المصري بهجومه المستمر على المتظاهرين في الميدان، وكان في كل مرة يتفنن في اختيار الصفات والتهم والافتراءات، لكنه بعد سقوط مبارك صار يتحدث عن الإنجاز التاريخي الذي حققه أبناء مصر المخلصون الأوفياء الذين (تفخر بهم مصر ويفخر بهم الجميع).

أما في اليمن، فالنماذج كثيرة، لكن أحد المشايخ؛ هاجم ثورة الشعب اليمني باعتبارها همجية وعواقبها بلاء، وأن كل الثورات لا تأتي على المجتمعات الإسلامية الا بالنكبات، ناصحاً بالعمل بالمنهج الشرعي في التعامل مع ولي الأمر وليس بهمجية «ارحل… ارحل»، حتى أنه قال: هل ترضى أميركا بأن يقال لمسئوليها :»ارحل… ارحل؟ وأن تظل غنماً بلا راعٍ؟»، فتلك الثورات في نظره ثورة ماسونية والثوار شأنهم شأن المجرمين يريدون إفساد البلد، وما أن تطورت الأحداث وتنحى علي عبدالله صالح حتى سارع في الثناء على شباب الثورة وإخلاصهم وتفانيهم وحبهم لوطنهم ووقوفهم صفّاً واحداً في وجه الاستبداد.

جمبازية السياسة أولئك ما كانوا ليظهروا ويتجاوزوا حدودهم ثم يسقطوا بعد ذلك لو كان الإعلام العربي يمتلك خطاباً مهنيّاً ووطنيّاً وأخلاقيّاً، وهذه واحدة من أهم القضايا التي ناقشتها ورشة عمل قيمة عقدت في القاهرة بتاريخ (27 سبتمبر/ أيلول من العام الماضي 2011) تحت عنوان: «آفاق الإعلام العربي في عصر الثورة»، بتنظيم من المنظمة العربية لحقوق الإنسان.

الجميل في تلك الورشة أن أسماء إعلامية لامعة ومحترمة في الوطن العربي شاركت فيها من أمثال محسن عوض، خولة مطر، علاء شلبي، محمد فائق وغيرهم، انتقدوا فتح المجال (لجمبازية السياسة)! فالمشهد الإعلامي العربي – كما شخصوه – قائم على تعظيم ثقافة الاستهلاك والتسطيح السياسي والفكري والاعتماد على التحريض والإثارة في مواجهة الجماهير، وأن أخطر ما قام به الإعلام العربي هو «خنق الحقيقة» عبر التعتيم عليها وهو دور يتجاوز التزييف، بدلاً من أن يقوم بشرح الحدث وإيقاعاته وإنزال الرسالة إلى مجرى الحياة اليومية.

خطر جمبازية السياسة والإعلام الجمبازي المساند لهم أيضاً يكمن في كونه مجرداً من الإطار المرجعي الوطني والمهني والأخلاقي، ولهذا انتشرت في الإعلام العربي مصطلحات من قبيل :»الفلول – العملاء – الخونة – المتآمرون – الفوضى – الانتقام والتشفي – الاعتصام والتظاهر – الضرب – القتل – الهمج – أعداء الوطن» وقائمة طويلة غير منتهية من المصطلحات والاتهامات والشتائم، ساهمت في تشتيت المواطن العربي أكثر مما رفعت قدرته ووعيه على الاختيار، حتى نفع ذلك في تحقيق ميزة أكبر وهي :»عدم تشرف الإنسان العربي بجمبازية السياسة والإعلام الجمبازي» ووضعهم في خانة (عباقرة الخداع والتضليل).

احمد الصراف

شارعنا وغودو

لاحظت في الفترة الأخيرة زيادة لافتة في عدد السيارات الفارهة في شارعنا، لأن غالبية قاطنيه، او ابناءهم، من موظفي الدولة، وحيث انني لم اسمع بفوز أي منهم بيانصيب فمن الطبيعي الافتراض بأن أوضاعهم المالية تحسنت بصورة مفاجئة وغير متوقعة نتيجة الزيادات الفلكية في الرواتب، وذهبت غالبيتها لاقتناء سيارات غالية الثمن، وهو تصرف غير راشد ونتيجة «غير طبيعية» لزيادات غير منطقية! وقد ذكرني ما لاحظته في شارعنا بقصة «وزير السلطان»، الذي كان يمر يوما بمنطقة زراعية فرأى فلاحا يكدح في أرضه والعرق يتصبب منه، فأوقف موكبه ونزل عن حصانه ليسأله إن كان بحاجة لشيء، فشكره الرجل وقبّل كفيه ووضعهما على رأسه، في إشارة الى قناعته ورضاه بنصيبه! فسأله وزير السلطان عما يجنيه من مال من عمله الشاق، فقال المزارع انه يكسب من الأرض مبلغا صغيرا يصرف ربعه على حاجياته وطلبات زوجته وأولاده الضرورية، ويذهب الربع الثاني لشراء الطعام والشراب، والثالث يصرف للعناية بأخته المريضة، اما الرابع فيدفعه أجرة لصاحب الأرض! أعجب الوزير بقناعة الرجل وحسن تصرفه بما يجني، واهتمامه بأخته المريضة وهو شبه المعدم، فأصدر أمره لحاشيته بشراء الحقل من صاحبه وأن يوهب للمزارع! بعدها بأيام قام المزارع ببيع الأرض، وتطليق زوجته، والسفر إلى تايلند. فهكذا قرارات ينتح عنها هكذا تصرفات!
ما أود قوله ان موجة شراء رضا المواطنين وقبولهم عن طريق زيادات رواتب واسقاط قروض المصارف عنهم، أو فوائدها، وزيادة قروض بنك التسليف المخصصة للزواج أو الترميم وغير ذلك من مشهيات مادية، لن ينتج عنها غير إفساد المواطنين وخراب بيوت ونفوس الكثيرين منهم، ودفعهم أكثر للاتكال على الحكومة، التي طاب لها تشجيعهم على الصرف الاستهلاكي، والإيمان بمقولة «اصرف ما في الجيب وسيأتيك ما في الغيب»! وكان الأجدر بها، وهي التي تحب أن توصف بـ«الرشيدة»، إن كانت فعلا تبتغي زيادة رفاهية المواطن ورفع الغبن عنه، الاهتمام أكثر بما تقدمه من خدمات له، ورفع معاناته في الوزارات والمستشفيات وتحسين مستوى معيشته، وبناء مستشفيات ومستوصفات كافية، وإنشاء مدارس أفضل، واعتماد مناهج دراسية أكثر رقيا، وبناء طرق أكثر أمانا، وتشييد مسارح أكثر فائدة ومكتبات أكثر غنى بما فيها من معارف، وغير ذلك الكثير مما ينقص المواطن ويقلل من مستوى معيشته، والذي كان ينقص ذلك الفلاح ولم يهتم الوزير بتوفيرها له! ولكن هذه المشاريع تحتاج لتخطيط وتفكير وتنفيذ ومراقبة وبرمجة وإشراف مالي وإداري وهندسي، وجميعها أعمال مثيرة لضجر الحكومة ورئيسها، وتأخذ عادة سنوات لتنفيذها، إن نفذت أصلا، والأفضل بالتالي شراء ود المواطن وولاءه بعطايا نقدية ومنح مالية ورواتب مجزية وخصومات فلكية، وكفى الحكومة شر التخطيط والتدقيق والمراقبة، ولنذهب جميعا لتايلند… لأن الأمر لا يبدو أنه سيأتي يوما، كـ«غودو»!

أحمد الصراف