في حقبة الستينيات كتب أحد كبار رجال المخابرات في العالم المدعو مايلز كوبلاند كتابه الأشهر «لعبة الأمم» والذي ذكر ضمنه قواعد اللعبة الخفية التي لا تتوقف بين أمم الأرض (ونحن بالطبع منها) والتي تقوم على المخططات التي ترسم ثم تطبق ويستخدم خلالها الخداع والكذب والإعلام الزائف لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للدول المشاركة في تلك اللعبة دون الحاجة لشن الحروب المعلنة بين الدول والاستعاضة عنها بـ «الحروب الخفية» التي أسقطت وقسمت على سبيل المثال.. الاتحاد السوفييتي الذي ما كان له ان يهزم بمناهجية الحرب التقليدية لترسانة أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها.
***
ومما قاله كوبلاند في كتابه الشهير كيفية إنجاح ما أسماه بـ «النموذج الناصري» في الحكم اي النظام الديكتاتوري القمعي الذي يتلبس بلباس دعاوى الوطنية والقومية إلا أنه يعمد للقمع الشديد في الداخل وتحقيق المصالح الخفية لبعض القوى المؤثرة في العالم بالخارج والتي يسمح له بادعاء معاداتها، والغريب ان الفترة التي صدر بها ذلك الكتاب «الفاضح» وما بعدها شهدت بالفعل سلسلة انقلابات عسكرية ترفع رايات الوطنية والقومية دعمتها الشعوب المغرر بها كالحال في العراق (68) وليبيا (69) وسورية (70) والسودان (70) ومصر ثورة 15 مايو 71 واليمن والصومال.. إلخ، مما يعني أن كشف مخطط ما لا يعني عدم الاستمرار في تنفيذه وتطبيقه.. وأن شعوبنا تصدق ما تسمع لا ما ترى ويمكن خداعها ولدغها من نفس الجحر.. ألف مرة!
***
هذه الأيام يتم الحديث عن كتاب د.جين شارب «من الديكتاتورية إلى الديموقراطية» كما تم قبل عقد من الزمن الحديث عن كتاب د.صامويل هانتغتون «صراع الحضارات»، ويقال ان ما نراه من ربيع عربي هو نتاج لفكر شارب الذي يهدف الى تثوير الشعوب العربية لإكمال مسار تدمير دول المنطقة بعد ان اضعفها ومحا ثقافتها وأوقف الحوار بين مكونات مجتمعاتها، ومهد الأرضية لفوضى هذه الأيام الأنظمة العسكرية العربية المسؤولة عن دمار الأمس ودمار اليوم وانشطار أوطاننا العربية في الغد القريب بعد ان شهدنا انفصال جنوب السودان.. والباقي قادم على الطريق السريع.
***
آخر محطة:
(1) الإشكال الحقيقي امام مخطط شارب في الكويت هو أننا لسنا دولة ديكتاتورية يراد لها عبر الحراك المشبوه التحول للديموقراطية، بل نحن دولة ذات ديموقراطية وحريات زائدة يراد لها عبر الحراك ان تنتهي الى ديكتاتورية قمعية على يد.. الحكومة الشعبية.. التي يبشر بها.
(2) من لا يحتمل الرأي الآخر وهو بالمعارضة، كيف له ان يحتمل الرأي الآخر عندما يصبح في الحكم وتصبح كل القوى الأمنية والعسكرية رهن إشارته وضمن قبضة يده؟!