سامي النصف

البوسنة جسر فوق ماء

البوسنة هي ببساطة جمال أخاذ باهر وماض دموي جائر، فلا تستطيع الكلمات إعطاءها حقها من الجمال حتى انها حصدت كثيرا من الجوائز الدولية كأجمل بلدان العالم قاطبة، وأذكر ان مرافقنا البوسني إبان زيارتنا لمناطقهم الجبلية التي تشتهر برياضة التزلج على الجليد، اشتكى مر الشكوى من انهم اعتبروا هذا العام ثالث أجمل بلد في العالم وليس الأول كالعادة، ولم يعرف ان حتى تلك المرتبة «المتأخرة» يفترض ان تجعلهم من أكثر دول العالم استقطابا للسائحين والمستثمرين.

وقد اجتمع الأخ عبدالعزيز البابطين لثلاث ساعات مع رئيس جمهورية البوسنة لحثه على ان تبذل حكومته مزيدا من الجهد لتسويق بلده الجميل واستقطاب السائحين والمستثمرين العرب والخليجيين حيث مازالت الأرض بكرا وبعيدة كل البعد عن الصورة النمطية الراسخة في الأذهان عن سراييفو والبوسنة والتي تصورهما على انهما مدينتان مدمرتان وارض محروقة.

فما رأيناه إبان تجوالنا هناك هو مدن حديثة راقية شبيهة بالمدن الأوروبية الأخرى، ما يفرقها عنها انها مليئة بالمساجد التاريخية والحديثة التي يرفع فيها الأذان مما يجعلها مناسبة جدا لقضاء شهر رمضان بها، وقد ذكر رجل الأعمال جواد بوخمسين انه سيقترح على شركة طيران «الوطنية» ان تتوقف في طريقها لـ«فيينا» بـ «سراييفو» وهو ما سيجعل ذلك الخط الأكثر نجاحا واستخداما من قبل السائحين والمستثمرين الكويتيين والخليجيين كونه يربط بين أول وثالث أكثر الدول جمالا في العالم.

ولا يمكن الحديث عن البوسنة دون الحديث عن تاريخها الدموي المؤسف الذي جعلها دائما ضحية لمعارك جيرانها الصرب والكروات ومحاولاتهم الدائمة لإزاحة شعب البوشناق عن اراضيه، ففي بداية القرن الماضي تم تهجير ما يقارب 4 ملايين بوسني لتركيا حتى كادت تخلى أرض البوسنة من المسلمين، وخلال حرب 9(2)95 كان 90% من قتلى (200 الف قتيل بوسني) ومهجري (2.2 مليون مهجر بوسني) تلك الحرب من البوشناق ولولا تدخل قوات الناتو بقيادة الولايات المتحدة بعد مذبحة «سربرنيتشا» الشهيرة لما بقي احد منهم خاصة بعد اتفاقية «كارادورديفو» بين الرئيس الكرواتي كودجمان والصربي ميلوسيفتش» لاقتسام أرض البوسنة وكأنها أرض دون سكان.

وقد شهدت تلك الحرب الأهلية فظائع عدة بحق البشرية والتراث الإنساني، فقد قام الصرب في 17/5/1992 بقصف معهد الاستشراق في قلب سراييفو مما تسبب في حرق وتدمير 5263 وثيقة تاريخية يعود البعض منها لأكثر من ألف عام، كما قام الكروات في 8/11/1993 بتدمير جسر مدينة «موستار» التاريخي فسقط في النهر أمام كاميرات المراسلين العالميين فأصبح رمزا لفظاعة تلك الحرب وقد زرته مع الزميلين صلاح الهاشم وصالح الغنام بعد ترميمه وقد بهرنا بجمال مدينة «موستار» التي تبعد ساعتين بالسيارة جنوب سراييفو، لقد أصبحت البوسنة هذه الأيام بسبب تسامح وطيبة أهلها جسرا فاعلا يربط بين الثقافات والديانات المختلفة وهي تستعد لدخول الاتحاد الأوروبي والوقت مناسب جدا للسياحة والاستثمار فيها قبل ان ترتفع الأسعار كنتيجة طبيعية لذلك الدخول.

آخر محطة:

 (1) عدد سكان البوسنة 4.5 ملايين منهم 55% من المسلمين و30% من الكروات و15% من الصرب وتبلغ مساحتها 51 ألف كم2.

(2) أصدر في عام 1463 محمد الفاتح وهو في طريقه الى فتح فيينا وثيقة لرجال الدين في البوسنة من مسيحيين ويهود يقال انها أول مخطوط متقدم في حقوق الإنسان وقد أبدى الرئيس أوباما إعجابه الشديد بذلك المخطوط وتساءل لماذا لا يعلن عنه بشكل واسع؟

(3) زرنا في سراييفو الجسر الذي قتل فوقه الصربي المتطرف جافريلو برنسب عضو عصابة الكف الأسود المتشددة وولي عهد النمسا الأرشيدوق فرازفرديناد وزوجته صوفي مما تسبب في نشوب الحرب العالمية الأولى وياله من جسر ويالها من مدينة جميلة!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *