قامت «رابطة الأدباء» في الأسبوع الماضي بعقد ندوة تعلق موضوعها بلجنة الظواهر السلبية سيئة الذكر، وطرق مواجهة هجمة القائمين عليها على حريات المواطنين والمقيمين.
شاركت في الندوة متحدثا، ولكن كلمتي لم تنقل بشكل سليم في الصحافة، وهذا نصها بعد، اجراء تعديل طفيف عليها.
اتصلت احدى المشاركات في الندوة وطلبت مني توخي الهدوء في كلمتي، وأن أقلل من هجومي على المتطرفين الدينيين!! وأنا نصف نائم وافقتها الرأي على أن أكون ايجابيا، وأن ليس من المجدي محاربة هؤلاء، فكلما كتبنا كتبوا أكثر!!
حقيقة لم أكن أود الحديث عن مواقف الأطراف المعادية للحريات والانسانية، وكلمة السيدة تلك جعلتني أتساءل لماذا نسكت عنهم ونخاف من ردة فعلهم، وهم على كل تلك الوقاحة في الطرح والرغبة في الخنق؟!
عنوان الندوة اليوم يتعلق بأنشطة لجنة الظواهر السلبية في المجتمع وكيفية الرد عليها بالمناسب والفعال من المواقف.
يجب أن نعرف أولا أن لجنة الظواهر السلبية معنية أساسا بالموقف من المرأة، وبكل ما يتعلق بها من لبس وتصرف وموقف ورأي، وهي لب المشكلة برمتها.
وحيث ان هذه اللجنة مؤقتة، فانها يوما ما ستختفي وينمحي من هم وراءها، أيا كانوا، فهذا هو حكم القدر. وبالتالي فان المشكلة ليست معهم ولا مع الحكومة التي سكتت حتى الآن عنهم، بل المشكلة مع المرأة تحديدا!
فالظواهر السلبية تتعلق بها، فهي الداء وهي الدواء، والرجل هنا، من أمثالي، عاجز عن فعل الشيء الكثير. فالمرأة لم تصل لهذا الوضع المتدني اجتماعيا وسياسيا الا عن طريق القهر، وهو أسلوب يصعب على من في وضعي اللجوء اليه بغية انتشالها من وضعها المتدني هذا.
مواقف النساء في الانتخابات الأخيرة، ومن أمور كثيرة أخرى تتعلق بحقوقها وحرياتها، لم تأت وليدة اللحظة، بل هي مواقف «متعوب عليها» من قبل مجاميع هائلة من الرجال. فطريقة تفكير نسائنا بشكل عام شكٌلت من قبل هذه المجاميع الرجالية على مدى قرون، بحيث سعت لحرمانها من نعمة التعليم لتصل الحال بنا إلى هذا الوضع الذي نحن وهن فيه، فمن يهن يسهل الهوان عليه، ويبدو أن هذا الهوان سيطول كثيرا.
لقد قال «نزار قباني» يوما لقد حملت المرأة ثلاثين عاما على ظهري، ولكنها خذلتني في النهاية. ولو كان نزار مرشحا في الانتخابات الأخيرة لخسرها بما أعطته المرأة من أصوات لغرمائه ومنافسيه!!
المتشددون دينيا، وغالبية قادة دولنا، كانوا من الرجال. وكانوا، ولا يزالون يؤمنون بأن المرأة هي أم وأخت وشقيقة وابنة وزوجة، ولكنها قبل كل هذا وذلك هي «عورة»، وعلى هذا الأساس يجب التعامل معها، علما بأن كلمة عورة دخلت قواميس الكثير من لغات الدول الاسلامية كتسمية رسمية للمرأة في الهند وباكستان ودول أخرى في جنوب شرق آسيا.
كون المرأة عورة يعني أنها يجب أن تحفظ وتبعد عن العيون. كما يعني، ضمن أشياء كثيرة أخرى، أنها يجب ألا تتلوث بالخروج من البيت أو تلقي التعليم، وقد مات واستمات الكثير من الرجال لحرمان المرأة من تلقي التعليم، والأمثلة كثيرة.
يمتد تاريخ الكويت الحديث لـ 300 عام تقريبا، كانت المرأة في جزئه الأعظم راضية بوضعها متقبلة لمكانتها المتواضعة فيه غير عالمة بما يجري حولها. ولكن ما أن تعلمت قليلا، وتنفس عقلها نسائم الحرية، حتى قررت، ليس فقط خلع العباءة السوداء التي كانت تغطيها وتكبس على عقلها، بل وقررت، في رسالة رمزية واضحة، حرق تلك العباءة، أو السجن الذي كان يأسر حريتها!!
يا سيدتي يا من طلبت مني أن أكون لطيفا في كلمتي مع المتطرفين الدينيين وأن ابتعد عن مهاجمتهم أود أن أكرر لك أن مشكلتي الحقيقية كانسان ليست مع هؤلاء، فهم ليسوا الا طلاب مناصب وتجار سياسة ودين وهمهم تكوين الثروات وبلوغ المناصب عن طريق صوتك وصوتي، وبالتالي فثمنهم معروف ومقدور عليهم. فمشكلتي يا سيدتي هي معك أنت، فأنت الخصم والهدف والضحية والحكم والقاضي والمتفرج، ولن ينقذ المرأة من براثن لجنة السلبيات ومن السطوة الدينية للمشرفين عليها غيرك أنت، ولن يجمد نشاطها غير وعيك ولن يضع نهاية للشرير والفاسد من مخططاتها غير امتلاكك لكامل وعيك ومعرفتك لحقوقك كمواطنة، وقبل ذلك كإنسانة حرة.
سيأتي، عاجلا أم آجلا، اليوم الذي ستتحرر فيه المرأة من قيود الرجل وأوامره والشاذ من طلباته، ولكن حتى ذلك الحين سيسقط الكثير من النساء قتلى وثكلى وضحايا باكيات يائسات مسلوبات الارادة منتهكات الحقوق.
ولو حاولنا النظر لوجوه بعضنا البعض في أي تجمع أو سوق، فاننا سنجد أن غالبية النساء اما محجبات أو منقبات. وارتداء الحجاب في نظري ليس حرية شخصية، كما يحب البعض أن يصف الأمر، بل هو موقف سياسي، وأحيانا انتماء طائفي، وفي حالات أخرى دعوة للاغراء من خلال الفاضح من الحجاب واللباس والماكياج. وبالتالي فان تبعات ارتدائه لا يمكن حصرها في أمر أو أمرين. والمشرع الفرنسي الذي منع طلاب وطالبات المدارس من ارتداء الرموز الدينية، ولأي دين انتموا، لم يصدر قراره عن عبث. كما أن حكم المحكمة التركية العليا الذي أوقف قرار الحكومة بالسماح للطالبات المحجبات من دخول الجامعة لم يكن قرارا عبثيا أيضا، بل حمل مضامين واضحة لمن هم في مثل وضعنا، فهل نتعظ؟
النقاب والحجاب لم يكونا بهذا الشيوع قبل 30 عاما مثلا!! كيف أصبح اليوم بمثل هذا الانتشار، ان لم تكن للسياسة علاقة بالموضوع؟ فهو ليس مجرد قطعة قماش توضع على الوجه لتمنع الرجل من النظر للمرأة، بل هي قطعة قماش تغطي الرأس لتمنع ما فيه من أن يفكر وينطلق بحرية؟
لا أدعي هنا أن رأيي صواب ورأي الآخرين خطأ، ولكني عاجز عن الاقتناع بأن الرأس المغطى، ولو بقطعة قماش، يمكن أن ينطلق ويبدع وصاحبته تصنف في الوقت نفسه بكونها «عورة» وناقصة يستلزم الأمر سترها، فهي عنوان اغواء ومشروع فساد، وما يحدثه ذلك في نفسها من شعور بالدونية!!
أحمد الصراف
habibi [email protected]