محمد الوشيحي

الوقوع إلى الأعلى

بعد مئات الأعوام من الآن، وعندما يتحول الكويتيون وصراعاتهم إلى قصص وأساطير يغنيها شاعر الربابة كما يغني تغريبة بني هلال… في ذلك الوقت، سيروي الجد ذو الفم المهجور من الأسنان لحفيده حكاية رجل كويتي أحب بني وطنه، وهام بهم وخاف عليهم، لكنهم أو بعضهم، تنكّر له. كان يدافع عنهم وعن حقهم في أن يشاركوا في حكم أنفسهم لا أن يكونوا قطيعا يساق بالعصا الغليظة، بيد أن بعضهم أشاع بأن أهدافه سوداء، سواد قلوبهم… كان الرمز يحفظ لهم ميزانية دولتهم وأجيالهم القادمة، التي هي نحن (الكلام على لسان الجد بعد مئات الأعوام من الآن) وكان يغضب لو رأى تجاوزا أو تطاولا على أموال البسطاء منهم، فاهتز اللصوص الكبار واتهموه هو ذاته زورا بالسرقة، فصدّقهم الغوغاء… كافح الرمز كثيرا من أجل تخفيض الارتفاع المجنون في أسعار الأراضي كي يستطيع البسطاء تأمين مسكن لهم، وتم له ذلك بعد جهد وعرق، وانخفضت الأسعار، لكن الشعب في غالبه كان يسير خلف العمائم واللحى التي تقوده إلى مصير لبنان والعراق.
يا ابني، يقول الجد، الإعلام سلاح فتاك، ألا تعلم بأن اليهود، أساتذة الإعلام في العالم، استطاعوا تشويه صورة العرب زورا فوق تشوهها الحقيقي، عندما أشاعوا بعد هزيمتهم في حرب 73 بأن الجنود المغاربة المشاركين في الحرب يفتقدون إلى أدنى درجات الآدمية، إذ كانوا يأكلون الإسرائيليين الأسرى وهم أحياء، وصدّقهم الغربيون، رغم ثقافتهم وتعليمهم العالي، ورغم وضوح كذب الادعاء (تخيل، ثلاثة جنود مغاربة وأمامهم إسرائيلي موثق اليدين والقدمين، يقطعون من كتفه هبرة، وشوية ملح وبهارات، وقليل من الكسكسي المشخول، وبالهناء والشفاء! يا أولاد الذينا ما أكذبكم)، فما بالك بشعب قليل الثقافة والقراءة كالشعب الكويتي البائد، الذي لو رأى كتابا لانتفض وتحرقص كمن دخلت نملة بين جلده وفانيلته.
اللصوص وأصحاب المصالح المتضررة استطاعوا في ذلك الوقت عبر وسائل إعلامهم، والحديث لا يزال للجد، تحويل قضية المدينة الإعلامية التي كان الكبير أول من عارضها إلى تهمة في سجلّه المفخرة، بدلا من أن يثنوا عليه! كانت قلة من المواطنين في ذلك العصر يصرخون: يا ناس هذا افتراء نتن بنتانة أهله، لكن أصوات اللصوص كانت أعلى.
ويكمل الجد حديثه، كان من بين الشعب الكويتي البائد كاتب اسمه محمد الوشيحي يقول في مذكراته: «من نعم الله التي لا أحصيها أنني عشت في زمن فيه تلك الهامة الشامخة والقامة العالية والشخصية العملاقة التي لن تتكرر بسهولة»، ويضيف الوشيحي في جزء آخر من مذكراته: «أحد أقطاب الإعلام الكبار قال لي في لحظة تجلّ، رغم عدم الود المتبادل بيني وبينه، يقصد الرمز، إلا أنني لا يمكن أن أفتري عليه كما افتروا هم. لقد استخدموا أسلحة غير مشروعة في حربهم معه، الكذب والتجني». يقول الوشيحي، فعلقت على كلامه قائلا بأنهم «لأنهم يعلمون بأن الرمز الكبير لن يشتكيهم في المحاكم ولن يرد عليهم في مقال، لكنهم لا يخجلون. مشكلتهم معه أنه آذى عمهم الأكبر، فأطلق كلابه تنبح قبل أن يكافئها بكأس من الكابتشينو على شواطئ نيس وكان».
يا ولدي، يضيف الجد، ذات يوم، وقع الرمز على الأرض، ولا أقول سقط، وقع وهو يدافع عن مصالح الشعب في بيت الشعب، ووقوعه كان إلى الأعلى… هذا هو الرمز أحمد عبد العزيز السعدون الذي سألتني عنه، وعن سبب تلاشي أسماء خصومه واختفائها، وبقاء اسمه في ذاكرة الأجيال.

 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *