من الشائع، وفي الكثير من دولنا، ميلنا الغريب الى وصف أي شخص ساذج أو لديه مسكنة أو يشكو من قلة الحيلة بـ «الهندي». فعندما تسأل شخصا ما سؤالا يتطلب اجابة بديهية، أو يتضمن تهكما، يرد عليك بالقول: شنهو، أو شو، مفكرني هندي؟ أو غير ذلك من التعبيرات العنصرية الدالة على تفاهة العقل.
****
تتبوأ أميركا عرش العلم والتقدم في العالم بلا منافس حقيقي. وعلى الرغم من كل ما نقوله عنها، وما نطلقه عليها من أوصاف مضحكة وهزلية، فإن أميركا تبقى القوة الثقافية والأدبية والفنية والعلمية الأكثر سيطرة في العالم، فجامعاتها ومختبراتها العلمية وانجازاتها الطبية هي الأكثر شهرة وتقدما. كما أن مطابعها مستمرة في اخراج أفضل الروايات وأحسن الكتب وأكثرها توزيعا في العالم، ولا تزال استديوهاتها الفنية تخرج أفضل المسلسلات والأفلام السينمائية.. وهكذا.
ولو نظرنا الى النسيج البشري المتنوع الذي يساهم في خلق كل هذا الابداع لوجدنا أن 12% من علماء أميركا اليوم هم من أصل هندي! كما يشكل الأطباء من أصل هندي النسبة الكبرى بين بقية الأقليات، وتصل نسبتهم الى الذروة بين علماء وكالة الفضاء الأميركية حيث تصل الى الثلث. كما أن 34% من العاملين في «مايكروسوفت» هم من أصل هندي، ونسبتهم 28% في شركة «أي بي ام»!! وقلة تعرف أن سابير بهاتيا، الأميركي من أصل هندي ، هو مبتكر «الهوت ميل». كما أسس «فينود خولسا» شركة سن مايكروسيستمز. كما «أن فينود دام» هو الأب الفعلي لبتنتيوم بروسيسسر، وهو المشغل الرئيسي لـ90% من كل كمبيوترات العالم. وشارك راجيف كوبتا في تطوير E-speak project في شركة هوالت باكارد العالمية. وللتحلاية فان ستة من جميلات الهند فزن بلقب ملكة جمال العالم في السنوات القليلة الماضية(!!)
وفوق هذا وذلك فان «عزمي برمجي» الذي يعتبر من أغنى أغنياء مسلمي العالم هو من مواليد مومبي. ويوجد في الهند أكثر من 36 مليارديرا، في الوقت الذي لا يوجد فيه حتى ملياردير واحد في جارتها باكستان! علما بأن باكستان انقسمت عن الهند قبل 60 عاما فقط، فالشعبان من العرق نفسه ويشتركان في الخواص الوراثية وتراتبية الـDNA. نفسها كما أن ثقافتهما وعاداتهما متقاربة وطعامهما متماثل، ويغرمون بكالكريكيت والهوكي ويشاهدون الأفلام السينمائية نفسها، وينتشون لسماع الأغاني نفسها.. فلغتهم واحدة، فما سبب كل هذا التفاوت في المستوى العلمي والأخلاقي والتقني بين الشعبين والثراء المادي، مع أخذ الفارق في تعداد الشعبين في الاعتبار، بينهما؟
الجواب يكمن في كلمة سحرية واحدة: الحرية!!! فالحرية هي السبب الأول والأخير لما وصلت اليه الهند وغيرها، من ابداع في كل مجال. والحرية النسبية هي التي أفلتت التنين الصيني من عقاله ليكتسح الكثير من صناعات العالم، والحرية هي التي يحاول متأسلمونا ومتخلفو أمتنا حرماننا منها لتستمر سيطرتهم على عقولنا وتبقى مصائرنا رهن بنانهم، فحكومات الهند كافة جاءت بالانتخاب الحر وكل حكومات باكستان تقريبا، كمثال فقط، جاءت عن طريق الدبابة، والتي استعاض عنها البعض عندنا بالعمامة!
فهل سنستمر في وصف الساذج والبسيط منا بالهندي بعد كل انجازات هذا الشعب؟ الجواب بنعم طبعا!
أحمد الصراف