احمد الصراف

بحث في الشاعر الزهاوي

جميل صدقي الزهاوي شاعر وفيلسوف عراقي كردي الأصل، ولد عام 1863 وتوفي عام 1936، نظم الشعر بالعربية والفارسية منذ صغره فأجاد فيه، تميز منهج الزهاوي الفلسفي بالاستناد إلى علوم الطبيعة والظواهر، وخصوصا نسبية انشتاين ومنهجه الاجتماعي في التحرر واحترام المرأة وتقدير دورها في بناء الوطن. كما تميز شعره بالواقعية ورقة المشاعر ونبل الآراء وجرأة القول والتحريض على التحرر من قيود الدين والتقاليد والمفاهيم العتيقة، وتبني الفكر الاشتراكي.
وقال فيه طه حسين: لم يكن الزهاوي شاعر العربية فحسب، ولا شاعر العراق، بل شاعر مصر وغيرها من الاقطار، لقد كان شاعر العقل، ومعري هذا العصر، ولكنه المعري الذي اتصل بأوروبا وتسلح بالعلم.
اهتم الزهاوي بالفكر المادي، وآمن بقوى الطبيعة واستوعب مفهوم اللانهاية في الكون، وفي ذلك قال:
«لاتقبل الأجرام عدا كلا ولا الأبعاد حدا
إن المجرة لم تكن إلا عوالم فُقْن عدا
والسحب فيها أنجم هن الشموس بَعُدن جدا
والأرض بنت الشمس تلزم أمها جريا وتحدى».
ونتجية هذا المستوى الرفيع من فهم المادة والكون، فقد انعكس هذا على مواقفه من المجتمع والعادات والحياة العامة. كان الزهاوي نصيرا عنيدا للمرأة، وكتب في حريتها ومساواتها بالرجل الكثير نثرا وشعرا. وقد سببت له احدى مقالاته في الدفاع عن المرأة المتاعب، وانتهت بتسريحه من وظيفته في احدى مدارس بغداد. كما شنت عليه حملات شرسة من كتاب متشددين ووصف بالمارق والزنديق.
في مقالة له عن المرأة، عبر الزهاوي عن اعترافه الكامل بدورها المهم، واشار الى مساوئ المفاهيم السائدة التي تحط من قدرها وتظهرها كمتاع يمتلكه الرجل ويفعل به ما يشاء، ويحق له التخلي عنه او استبداله متى رغب في ذلك، تلك المفاهيم التي لا تعترف للمرأة بمقوماتها كإنسان، وبالتالي بحقوقها البشرية، وأشار الشاعر والفيلسوف الى الظلم المتعدد النواحي الذي تتعرض له المرأة إضافة الى الزواج والطلاق.. فحق الميراث وقيمة الشهادة وشروط المظهر خارج المنزل واسهامها في الشأن العام، تثبت امتهانا كبيرا للمرأة تبدو معه امة لا وزن لها ولا حقوق.
وعن حجاب المرأة وتسترها أمام الرجال تحدث الزهاوي، مبينا ان في الامر امتهانا فظيعا لها، وتكريسا لثقافة الخوف والضعف والخيانة وانعدام الثقة بين بني البشر، وحدد سلبيات الحجاب على جميع الأصعدة وايجابيات السفور التربوية والاجتماعية، وانعكاسات ذلك على قدرة المرأة على التفاعل مع الرجل في تطوير المجتمع وبناء الحضارة. وفي ذلك قال:
«مزقي يا ابنة العراق الحجابا
واسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيه واحرقيه بلا ريث
فقد كان حارسا كذابا».
وفي مجال آخر، يقارن الزهاوي بحسرة تطور الغرب وسعي ابنائه الى التقدم، في حين يغط شرقنا بالسبات العميق، حيث يقول:
«الشرق ما زال يحبو وهو مغتمض
والغرب يركض وثبا وهو يقظان
والغرب أبناؤه بالعلم قد سعدوا
والشرق أهلوه في جهل كما كانوا».
ويرى أن السبب الرئيسي في نقص حياتنا واكتمال الحياة في الغرب، هو موقع المرأة في المجتمع:
«وكل جنس له نقص بمفرده
أما الحياة فبالجنسين تكتمل».
ذلك الموقع الذي يجعل الناس مشغولين بالعمل والابداع والانتاج الوفير، بينما نحن مشغولون بالترهات وبتبادل الاتهام في قضايا الدين:
«الغرب يشغله مال ومتربة
والشرق يشغله كفرٌ وإيمان».
ويقول:
«الغرب عز بنوه أينما نزلوا
والشرق إلا قليلا أهله هانوا».
ولكنه لم يفقد الأمل في نهضة العرب إن هم استيقظوا، وفي ذلك يقول:
«سترقى بلاد الشرق بعد انحطاطها
لو ان بنيها استيقظوا وتعلموا
يزول تماما ما بها من تأخر
لو ان حكومات البلاد تنظم!».
وفي معرض آخر، يعيد تأخر العرب الى التعصب والتمسك بمفاهيم الماضي المتخلفة، وبمواقف الرجال الأنانية من المرأة بالتحديد، تركت آثارها السيئة على كل شيء:
وفي الزواج غير المتكافئ من حيث السن ولا القائم على أساس من المودة والحب والاحترام والاعتراف للمرأة بإنسانيتها، يصور الحياة الجحيمية وما تمتلئ به من مآس:
«كم قد تزوج ذو الستين يافعة
والشيب في رأسه كالنار يشتعل
يقضي لبانته منها إلى أجل
وقد يكون قصيرا ذلك الأجل».
وظلم المرأة كما يراه الزهاوي يبدأ في البيت، وهي طفلة عند أهلها، الذين أرضعوها الخوف والدونية مع حليب الطفولة، وهيأوها للزواج المبكر القسري في حالة تشبه بيع النعاج، بعيدا عن اي قيمة انسانية، وفي بيئة متخلفة ظالمة تتكرس فيها كل اشكال العبودية والقهر.
هكذا صور الزهاوي المجتمع العراقي المتخلف تكبله قيود المفاهيم الرجعية والموقف اللاإنساني من المرأة ومن التحرر الاجتماعي.. وهو اذ يضع الإصبع على الجراح في مرحلة مبكرة نسبيا، فإنه يرى ان الخلاص من هذا الواقع السيئ ممكن، والنهوض بالوطن والمجتمع ممكن بشرط التخلص من اسباب ومسوغات الظلم والتمييز، المفروض على المرأة الاذعان لهما والخضوع للرجل على أساس هذه المسوغات.
* * *

• ملاحظة:
المقال منقول بتصرف كبير من: http://ar.wikipedia.org

أحمد الصراف