قرر رجل أعمال قبل 15 عاماً تقريباً إنشاء مستشفى على الطراز الأميركي. وللترويج للمشروع، قام بنشر إعلان ملون في جميع الصحف، وعلى صفحة كاملة.
اتصلت مجلة «المجتمع» التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي، الفرع المحلي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، بصاحب المشروع طالبة منه نشر الإعلان لديها، وافق صاحبنا على مضض، ولكنه عاد وغير رأيه بعد أن طلبت جمعية الإصلاح، الجهة المشرفة على المجلة، إزالة صور النساء من الإعلان، لان مجلتهم محافظة، ولم يسبق لها في تاريخها ان نشرت صورة أي امرأة من غير حجاب، وان اضطرت لنشر صورة نساء في تظاهرة سياسية مثلا فإن المونتاج يتكفل بتغطية رؤوس النساء بما يشبه الحجاب، ولو كن متظاهرات سويديات.
أصرت الجمعية على موقفها وأصر صاحبنا على رأيه، فالصور، بنظره لا تخدش الحياء وليس فيها ما يثير جنسيا، فهي لثلاث سيدات أميركيات في السبعينات، وسبق أن عملن كممرضات وقابلات في مستشفى الارسالية الأميركية في الكويت، واشرفن على علاج الكثير من الكويتيين، رجالاً ونساء، في الثلث الأول من القرن الماضي، وان صورهن ظهرت في ذلك الإعلان بمناسبة تكريم دورهن من خلال اطلاق أسمائهن على أجنحة المستشفى، مع بقية من عمل معهن من الاطباء الأميركيين!
اقترحت الجمعية فكرة وضع الحجاب فرفض صاحب المشروع ميوعة وسخافة الاقتراح، وانه يمثل اهانة بحق أولئك النسوة العظام، ولكن تدخل الوسطاء جعل الطرفين يوافقان على نشر الإعلان في نهاية الأمر، بعد الاتفاق على إزالة صور هؤلاء السيدات منه، والاكتفاء بكتابة اسم كل واحدة منهن تحت مربع خال!
كان ذلك، وربما لا يزال، موقف حركة الإخوان المسلمين من نشر صور نساء.. عجائز توفيت آخرهن قبل نصف قرن في مجلتهم الناطقة باسمهم! ولو علمنا أن الاخوان كان ينظر إليهم كتقدميين مقارنة بنظرائهم، أو غرمائهم، من السلف، خاصة في كل ما يتعلق بالنظرة للمرأة من صورة وخبر ومقال، فبإمكاننا تصور ردة فعل السلف العنيفة لو اقترح أحد عليهم مثلا نشر صور ممثلات ورياضيات عاريات الرأس في مطبوعاتهم!
ولكن الدنيا علمتنا ان «الحي يقلب»، كما يقال في اللهجة الكويتية، فخلال أقل من 15 عاماً تغيرت مواقف السلف من أمور كثيرة بنسبة 180 درجة، وأصبحت مثل ومبادئ الأمس غير مثل وقيم ومبادئ اليوم، فالظروف تغيرت وغيرت جماعة السلف معها، وأصبحنا فجأة نشاهد صور ممثلات ورياضيات وسيدات مجتمع أنيقات تغطي صفحات مطبوعاتهم، وبكثافة غير متوقعة، وكأن شيئاً لم يكن وبراءة العذراوات في أعينهم! كما ظهر واضحا ان المصالح الدنيوية أقوى من أشياء كثيرة، خاصة بعد ان عرف قادة الحركة السلفية، من أهل الداخل والخارج على السواء، خطأ مواقفهم القديمة التي كانت تعتمد على النقاء المذهبي والصفاء العقائدي، وان الدور الذي يلعبه المال في الحياة السياسية لا يمكن تجاهل خطورته إلى الأبد، وانه اكثر من ضروري للنجاح في مشاريع الحركة التجارية الحالية وفي مشاريعها المستقبلية، وضمان الفوز بأي انتخابات نيابية مقبلة، أو صفقات بترولية أو استثمارية كبيرة.
• ملاحظة:
كتب عبدالقادر الحمود الزميل في الصفحة اليمنى، مقالا قبل أيام حذر فيه من خطورة تجنيس زوجات الكويتيين العربيات والخليجيات حتى لو لم يتقدمن بطلب، لان البعض يستخدم هذه الطريقة للالتفاف على القانون والانتفاع به بالمتاجرة! هذه وجهة نظره، ولكنه زاد بالقول انه لا يقصد تجنيس الخليجيات فلديهن جنسيات لا تقل عن الجنسية الكويتية! وهذا يعني ان حاملات الجنسيات العربية الأخرى هن أقل درجة من الخليجيات! وأنا أتفق معه في ذلك فور موافقته هو وحكومات دول مجلس التعاون على وقف الاستعانة بالمعلمين والاطباء والمهندسين من أي دولة عربية أخرى، فكيف يعلمنا ويطببنا ويعمر بيوتنا من هو أدنى منا؟
أحمد الصراف