د. شفيق ناظم الغبرا

لبنان: بداية أزمة المجهول

إن هجوم «حزب الله» على مناطق بيروت وعلى الدولة اللبنانية بداية إشكال كبير لـ «حزب الله» وللبنان في الوقت نفسه. ويمكن القول ان هذا يفتح مزيدا من الثغرات ويثير مزيدا من المخاوف بين الأطراف العربية والدولية واللبنانية من «حزب الله» الذي كان للأمس القريب رمزا للمقاومة. فقد خرج «حزب الله» من السر إلى العلن، ومن كونه قوة مقاومة بلا مظاهر مسلحة إلى قوة تفرض نفسها في كل مكان في لبنان، وتحول من حزب يمتلك شرعية عربية ولبنانية إلى حزب يتصادم مع الكثير من العرب، والكثير من اللبنانيين. هكذا يسير «حزب الله» على خطى «منظمة التحرير الفلسطينية»، رغم اختلاف الظروف، عندما تحركت نحو العلن وبسطت نفوذها على أراض كبيرة وواسعة في لبنان. ولكن ذلك كان مقتلها لبنانيا والأساس الذي أعطى اسرائيل المقدرة على اجتياح كل لبنان. إن السيطرة التي يحققها الحزب اليوم هي الأساس الذي قد يمكن معارضيه وناقديه من استغلال نقاط ضعفه في المرحلة المقبلة.

فالحكمة التي تميز بها الحزب على مدى أكثر من عقد ونصف العقد، منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، تراجعت منذ حرب صيف 2006 عندما ورط لبنان بحرب، بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب، هو أضعف من أن يخوضها لوحده. كان الرهان السابق يقوم على إمكانية تحويل «حزب الله» إلى حزب سياسي يلعب دوره في الحياة السياسية اللبنانية، عوضا عن أن يكون حزبا مقاتلا بعد أن تحررت الأراضي اللبنانية وسلمت كل الفئات اللبنانية سلاحها للدولة. إن التطورات الأخيرة تؤكد أن ما هو قادم لن يكون أسهل على لبنان و«حزب الله»، رغم آفاق قيام تسوية موقتة بين الفرقاء وهدنة لفترة. فإن سلمت الدولة اللبنانية مفاتيح السلطة للحزب وتراجعت عن قراراتها ستجد أنها تتواجه مع تداعيات هذا الوضع عربيا ودوليا وإيرانيا وإسرائيليا وسوريا، وإن تصادمت مع الحزب فهي أيضا ستتواجه مع مطالب أكبر للحزب ومع إمكان تحول لبنان نحو مواجهة أهلية مرعبة. ولكن المرحلة المقبلة تقول أيضا ان الحزب كشف عن وجه لم يكن الكثير من العرب واللبنانيين يعرفون بوجوده، وأنه تحول من مقاومة في الخارج إلى قمع وسطوة في الداخل. إن هذا التطور هو بداية التراجع للحزب وليست بداية الصعود. ولكنه أيضا بداية أزمة مفتوحة تسير بكل لبنان نحو المجهول.
لقد سقط لبنان في صراع جديد ذي طابع خطير، وكأن كل ما تم بناؤه منذ انتهاء الحرب الأهلية تم في بيئة غير ناضجة للسلام. فما وقع في لبنان تأكيد أن دولة ما بعد الحرب والتي بنيت بقوة القانون أولا، وبقوة الشرعية ثانيا، وبقوة الصناديق الانتخابية، وليس بقوة السلاح والعنف، تواجه الآن رياحا عاتية لن يكون التعامل معها، سلبا أم إيجابا، سهلا… ما وقع في لبنان استمرار لمنطق الفوضى الذي يسود البلاد العربية، وتأكيد أن لبنان، حتى الآن، أسير ماضيه، وأسير حاضره و طوائفه والخارج، ولكنه في الوقت نفسه يعكس مدى حاجة لبنان لتثبيت منطق الدولة، وتحويل كل القوى إلى أحزاب سياسية تتضامن لإخراج لبنان من أزماته.
من جهة أخرى ان استخدام «حزب الله» إسرائيل وأميركا كفزاعة يمثل هو الآخر استقداما لفكر شرقي وعربي قديم، يتهم من يختلف معه بالخيانة وذلك كأسلوب لعزلهم، لقد اتهم كل فريق عربي تصارع مع الفريق الآخر بالعمالة والخيانة. ان استخدام إسرائيل وأميركا بهدف القمع والإلغاء، كما حصل بين الكويت والعراق، هو الآخر غير مقبول. هذا الاتهام بالخيانة، وكأن كل عربي يؤيد استقلال لبنان وكل لبناني يؤكد استقلال لبنان هو خائن. في نهاية اليوم… الخيانة العظمى أمر نادر الحصول، ومن يحصي عدد الخونة وفق بياناتنا العاطفية سيعتقد أن معظم العرب خونة، يجب أن تسقط كلمة الخيانة من القاموس العربي، كما يجب أن تسقط كلمة الكفر من القاموس العربي لأن هذه الكلمات تستخدم بهدف تصفية الآخرين عندما يقع الاختلاف.
وفي الوقت نفسه لقد أصبح واضحا أن لبنان لا يقوى على مقاتلة إسرائيل لوحده، وإنه إن فعل ذلك فانه يرمي بالبلاد نحو التهلكة. لهذا فان تحضيرات «حزب الله» لمواجهة مع إسرائيل، وتحضيرات إسرائيل لمواجهة مع «حزب الله» تعني تدمير لبلد صغير لا يملك القدرات التي تسمح له بحماية نفسه. إن خطورة تعاظم قوة «حزب الله» أنها سوف تؤجج الوضع باتجاه تصادم إسرائيلي مع الحزب في ظل عدم قدرة الحزب خلق توازن عسكري مع إسرائيل. هكذا ستكون النتيجة تدمير لبنان وإعادته إلى مرحلة ما قبل انتهاء الحرب الأهلية.
كان بإمكان لبنان أن يكون واحة سلام، وواحة تنمية، ونموذج للتعايش والحرية في العالم العربي، الفقير في الحريات والديموقراطية والسلام والتعايش. كان بإمكان لبنان أن يكون مؤشرا لإصرار العرب على الحداثة. من سيُخرج لبنان من هذه الأزمة، كيف يمكن للبنان أن يستقل كما يريد من دون أن يفقد أمنه الإنساني والسياسي، كيف يستطيع أن يكون لبنان سيد نفسه بلا تقاتل داخلي، وبلا أزمات مع جيرانه الأبعد والأقرب؟ لقد بدأ فصل جديد من فصول لبنان والشرق المأسوية.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *