م. ناصر العيدان

نحن واليابان

عندما احتل الأميركيون، اليابان في العام 1945، أعلنوا ان ديانة «شنتو» ليست الدين الرسمي للدولة، وأن كل انسان حر في اعتناق دينه، وحر في تعليم أبنائه الدين الذي يريد، وحر في انفاق ماله الذي كان يذهب لرجال الدين وللمعابد، ونزعوا «القدسية» عن الإمبراطور الياباني. ماذا كانت النتيجة بعد نصف قرن؟ أظن أن الجواب سهل وواضح. بالمقابل، ما هي انجازات الدول التي قدّست زعماءها واستغلت الدين لتستفيد من موارد الدولة واسكات شعوبها؟ ايضاً الجواب واضح.

لم يكن الإسلام أبداً أداة للاستغلال، ولكن من يحمل لواءه هذه الأيام، للأسف يستغل. ان الإسلام دين المعاني والقيم، لا دين الأشخاص، وتقديس الأشخاص هو ما يسيء لصورة الإسلام. إن الأزمة الحقيقية لكل رجال الدين والأحزاب الدينية والجماعات التي تسعى الى مثل هذه الأنظمة الدينية، هي أزمة مفاهيم ومنهج، فالسؤال الذي يتجنبونه: أيهما يأتي أولاً، الأخلاق أم السياسة؟ مظاهرهم المتدينة تقول الأخلاق، وأفعالهم تقول السياسة! هذه أزمة عدم توافق بين الادعاء والحقيقة، وازدواجية واستغلال واستخفاف بعقول المسلمين.

إذا كان هذا الاستغلال أمراً مقصوداً فهذه مصيبة، وإن لم يكن كذلك، فالمصيبة أعظم. لأن التصدر للجماهير على صورة متدينة أمانة عظيمة، فهي تجمع بين جدوى الخطاب الجماهيري وقدسيته، بين قيمة الخطاب ووجوب اتباعه. ان البعض ممن يتصدر المشهد الإسلامي، والمذهبي، لا يعرف الإسلام الا من بوابة السياسة واستخدام القوة أحياناً! بل إنه يحرق رصيد الأخلاق ونشر الفضيلة وقوداً لحروبه السياسية والعسكرية، فأي إسلام تبقّى بلا فضيلة؟ ان الناس اتبعت الإسلام لأنه دين العدل والفضيلة والأخلاق، وهذا بالضبط ما جعل الأمم تتطور، فلديهم إسلام بلا مسلمين، ولدينا العكس!

اليابان ليس لديها انتاج نفطي، وأغلب أراضيها، جبلية، ومع ذلك، وبعد نصف قرن، الفرق واضح وجلي في التقدم الذي حققته اليابان لشعبها، والتقدم الذي نحققه نحن. ان العيب ليس في الإسلام، ولا في مبادئه، بل في من يهدمون باسم الدين، ويتخذونه شعاراً لطغيانهم، والجهل في تطبيق الاسلام… طغيان بحد ذاته. ان تغليب السياسة على الأخلاق، وتغليب الانتخابات على الدعوة الى الله والإصلاح المجتمعي، كارثة بحق هذا الدين. نعم السياسة جزء من الدين، لكن الأخلاق هي الجزء الأهم والأولى، واذا كانت اليابان سبقتنا بعلمانيتها، فقد سبقتنا بعدالتها المجتمعية وتنميتها للانسان واحترامها لعقله، وهذا كله من حسن الخلق. فكيف سيكون صدى تلك القيم علينا ومنبعنا هو الإسلام، دين الاصلاح والفضيلة والأخلاق؟ يفوتك من العلمانية، خلٌقٌ كثير!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

م. ناصر العيدان

م. ناصر بدر مطر العيدان، حاصل على بكالريوس في الهندسه و ماجستير في إدارة أعمال / صحفي وكاتب مقال

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *