عبدالله غازي المضف

لماذا اجتاح «الإلحاد».. الكويت؟!

استرجع ذاكرتك قليلا الى الوراء، وانت في الدوام مثلا؟ بين صلاتي الظهر والعصر.. كم واحداً قام للصلاة؟ طيب.. كم واحداً تلمح في حديثه بالديوانية نفحة من الالحاد او التشكيك، أو شيئاً من التمرد على الدين وأحكامه؟
ان ما نراه اليوم ايها السيدات والسادة من عزوف كبير عن الدين في عالمنا العربي يذكرنا تماما بموجة الالحاد التي اجتاحت أوروبا في القرن السابع عشر، وقتما فرّغت «الكنيسة الكاثوليكية» الدين من مضمونه الحقيقي لإحكام قبضتها وسلطتها، في حين ان نور العلم كان قد بدأ بالسطوع آنذاك: فالكنيسة تؤمن أن الارض مركز الكون، والعلماء يجزمون انها ليست الا كوكبا صغيرا بين مئات الكواكب والنجوم! الكنيسة تروع الناس «بالأمراض» على انها عقاب من الله لمن يعصيهم. أما العلماء، فاكتشفوا المايكروسكوب، ثم البكتيريا والفيروسات، ثم صنعوا الادوية لعلاجها من دون الرجوع الى مباركة الكنيسة! فلم تجد الكنيسة من معارضيها الا تصفيتهم وقتلهم وحرقهم! لان تجدد العلم فضح غايتهم، وجرأة العلماء هزمت اساطيرهم وسطوتهم. فالكنيسة كانت تبيع مفاتيح الجنة على الناس! ويغفرون ذنوبهم مقابل تبرعهم بمبلغ من المال، وان من يعصي تعاليمهم وقتذاك، مصيره التكفير والبلاء والصلب والقتل! وعندما وصل الكبت الفكري الى أوجه، ثارت عقول الناس، وتولدت عندئذ ردة فعل عنيفة تجاه الدين وصفت بأكبر «موجة الحاد» في تاريخ أوروبا!
ألا يذكركم ذلك التطرف بتنظيم «داعش» أو «نظام إيران»؟ تبرعات مالية مشبوهة، صلب، قتل، حرق، التهديد بعقاب الله وبلائه؟ هدر دم من يختلف معهم من العلماء، تكفير من يحاول مناقشة فتاوى الإسلام بمستجدات العلم، ان التاريخ يعيد نفسه ايها السادة! فما اقترفته تلك التنظيمات الارهابية، ومن يدعم فكرهم سرا أو جهرا عبر منابر المساجد والحسينيات، يذكرنا تماما بسلوك «الكنيسة الكاثوليكية» بالقرن السابع عشر! فذلك التطرف القميء بدأ يوقظ بعض العقول العربية المستنيرة اليوم، تماما كما حدث في أوروبا بالقرن السابع عشر: ما هذا الهراء؟ أين هو العقل؟! ومن أعطى هؤلاء حق الثواب والعقاب والقتل والترهيب؟!
تلك الأفكار «المتطرفة» دفعت بالكثير من الشباب العربي والكويتي الى اعادة تفسير الحياة من جديد: هل خُدعنا؟ انها مفاهيم تتجدد، شعور غريزي لا يُعرف له تفسير، ردة فعل عنيفة اقرب الى الانفجار، انه سواد اعظم اسمه الالحاد.. هل ما أقوله الآن يعد تبريرا لموجة الالحاد التي اجتاحت البلاد؟ قطعا لا! ولكنها دعوة صادقة الى التأمل في مقولة «الاسلام دين لكل زمان ومكان»، ودعوة اخرى الى اعادة قراءة الاسلام بمفهوم جديد، بعيدا عن الاساطير والخرافات والاجتهادات البشرية التي وضعها «بعض» رجال الإسلام الأوليين قبل أكثر من ألف سنة، واسقطوها اسقاطا على وقائع كانت في حدود علمهم وقتذاك.. فالعلم يتجدد يوما بعد يوم، ولم نسمع عن تشريع إسلامي يأمرنا أن نمضي بالعلم الى الامام، في حين ان اعيننا يجب ان تبقى مسمرة الى الخلف.. بل دعانا الى التجدد والتدبر في الخلق كما قال الله عز وجل في هذه الآية العظيمة «الَّذينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبهمْ وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْق السَّمَاوَات وَالأرْض رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطلًا»، فلا ريب لو تعمق المرء في منهج الطبيعة، وتأمل أعجوبة خلق السماوات والأرض، فمن يرى الكون يسير وفق منظومة متناسقة ودقيقة، سيؤمن حقاً برب عظيم جمع بين «عبقرية الكون» و«حتمية العلم»..
وكما قال عالم الرياضيات الألماني الشهير جوهانز كبلر: «إن قوانين الطبيعة تبقى في حدود قدرة الإنسان على الفهم، لقد أرادنا الإله أن نعرفها مع الوقت»، وهنا نستذكر الآية القرآنية الكريمة «إنّي جَاعلٌ في الأرْض خَليفَة»، ونستذكر أيضاً قوله تعالى «يَرْفَع اللَّهُ الَّذينَ آَمَنُوا منْكُمْ وَالَّذينَ أُوتُوا الْعلْمَ دَرَجَات»، فالعلم المتجدد، والقرآن الكريم، والثورة على الاساطير، والتدبر في الكون: ملاذ الإنسان الى الإيمان الحقيقي بالله سبحانه وتعالى، وكما ذكر د. عمرو شريف في كتابه الرائع «خرافة الإلحاد» ان ايجابيات تأمل منهج الطبيعة تجدد فهمنا للدين الصحيح، فهو يفصل بين الحقيقة والاسطورة، وعلوم الفضاء وخرافة التنجيم، والكيمياء والخيمياء، وسطوة تجار الدين وإخلاص رجال الدين الحقيقيين.. والأهم فصل التراث العربي وأساطيره، عن تعاليم الإسلام الصحيح وتفاسير القرآن العظيم!
***
نحمد الله على حكم البراءة الذي حصلنا عليه في القضية الجنائية رقم 15000255، التي رفعها ضدي النائب السابق مسلم البراك على خلفية مقال «بعد عامين ونصف العام على خطاب مسلم البراك».. وكما وصفته في مقالي السابق ان «بوحمود» الذي ادعى دفاعه المستميت عن حرية الرأي «يبي يسجني وهو بالسجن!».
طيب.. لماذا أعدت نشر ذلك المقال قبل ثلاثة ايام من النطق بالحكم؟ لأن لدي إيماناً قاطعاً بعدالة قضائنا الشامخ والنزيه، ولإصراري الكامل على أن الكويت بحاجة ملحة اليوم الى معارضة حقيقية وبناءة تعمل وفق اجندة سياسية واضحة، وتحمل حزمة إصلاحات دستورية، اقتصادية، رياضية، اجتماعية.. وليس «قلة أدب» وفوضى وصراخاً ومسيرات كادت تفضي بالكويت إلى الهلاك.. فأهل الكويت سابقا ومعارضوها الحقيقيون عندما اختلفوا مع الشيخ أحمد الجابر وقتذاك، قالوا له: فمان الله! ولم يقولوا «لن نسمح لك» وجعلوا الشباب كبشاً للفداء.. فمان الله!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *