إبراهيم المليفي

حالة إنكار

عندما تقع الكوارث، خاصها وعامها، لا يتقبل بعض الناس حدوثها ويحاولون بشتى الطرق تجاهلها والتعامل معها كشيء لا مرئي يُحكى عنه ولا يُرى، ففي الأيام الأولى للغزو العراقي لدولة الكويت رفضنا تصديق ما يحصل أمام عيوننا، وعشنا حالة من الاضطراب الجماعي بين سؤال العقل وجواب العين؟ نعم ما يحصل حقيقي، وعليك أن تتعامل مع الوضع الجديد بكل مراراته.
قرأت مرة في كتاب لصحافي أميركي يحكي بعض تفاصيل الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة عن حالة الرفض التي أصابت الكثير من المنتمين إلى الطبقة الوسطى في البوسنة والهرسك لكل ما يحصل من تحولات سريعة من دولة موحدة إلى دولة وليدة، ثم حرب شنتها الأطراف التي رفضت انفصالها عن الاتحاد اليوغسلافي، تلك الطبقة حوصرت بهمّ ثقيل عنوانه العجز عن توفير متطلبات الحياة أثناء الحرب من ماء وخبز ودواء وخشب للتدفئة؛ بعكس الأغنياء الذين هربوا بأموالهم من الحرب، وأهل الريف الذين واصلوا حياتهم الشاقة الغنية بمعارف الاكتفاء الذاتي.
لقد اخترت مما سبق أمثلة صارخة تُرى بالعين المجردة كي أمهد لعقدة الإنكار التي أصابت من يرفضون تصديق أن الكويت في دائرة الخطر، سواء من الإخفاق المتكرر في حل معظم الملفات داخليا، أو من ضغط الأحداث الإقليمية التي لم تترك لنا مساحة للسياسة أو المجاملة.
هنا أنا لا أتحدث بالمطلق عن “لسانات” التجميل، فهؤلاء أول من يلبس طاقية الإخفاء ساعة الحقيقة، ولكني أوجه كلامي مباشرة لمن يعانون حالة الانفصال البائن بين معطيات واقع الكويت والخيال المترع بالوهم للكويت المحفوظة من كل شر، مع أن الشر طالها مرات ومرات!!!
إن حالة الإنكار لا تشغل بالي عندما تصيب من هم خارج دائرة التأثير والقرار، ولكني أعتبرها جريمة عندما تتبناها النخب، وتحاول تسويقها للرأي العام في حركة معاكسة لمجريات الأحداث، وهو ما يفضي بالضرورة إلى تزايد حالة القلق والارتباك، وهي العدو الأول للاستثمار والعمل وتوطين رؤوس الأموال.
في الختام أوضاعنا الداخلية والخارجية تحتاج إلى المصارحة لوضع “الخوف” في مكانه الطبيعي، ثم التعامل معه، وغير ذلك فلن نجد غير فريقين: الأول يسعى إلى تأمين نفسه في الخارج؛ لأنه يرى الكويت “وطنا مؤقتا”، والثاني يبني بحماس شديد واقعاً افتراضياً هشاً سيورطنا في أزمات جديدة نحن في غنى عنها.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

إبراهيم المليفي

كاتب ومحرر في مجلة العربي الثقافية منذ 1999 وصاحب زاوية الأغلبية الصامتة بجريدة الجريدة منذ 2010

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *