عبداللطيف الدعيج

لا للمصالحة.. نعم للمراجعة

الذين يعتقدون ان المعركة هي بين جماعة المعارضة والسلطة واهمون. فهؤلاء سواء من اجتهد منهم في تحليل الوضع العام، او اولئك الذين تعللوا في الفترة الاخيرة بكل شيء من اجل فك الحصار عنهم وانهاء معاناتهم السياسية. فأنا كنت وما ازال اعتبر ما يسمى بـ«المعارضة» الحالية جزءا من النظام، وأحد اهم اركانه الاصلية في قمع القوى الوطنية، ووقف عملية التنمية والتصدي للتقدم والتطور الاجتماعي والسياسي.
الحديث عن المصالحة بهذا الفهم ليس في محله، فقد تنهي هذه المصالحة المنشودة بشدة اليوم ازمة المعارضة الجديدة، وقد توفر جوا مريحا للسلطة، ولكنها لن تخدم الوضع العام، ولن تحقق ايا من الطموح الوطني المنشود. فالمعضلة الحقيقية هي بين السلطة والنظام الديموقراطي. اي بين السلطة والقوى الوطنية الديموقراطية. والمصالحة هنا او الهدنة موجودة او هي فرضت نفسها على الطرفين، وبالتالي لا داعي لها اصلا. فالسلطة مشغولة بتأديب وتهذيب من شق عصا الطاعة عنها من حلفائها واجزائها الرئيسيين. والقوى الوطنية الديموقراطية مقلمة الاظافر ومقيدة الاطراف بعد تحييدها وشلها من قبل السلطة وتحالفها القبلي الديني.

اي انه، وبغض النظر عن هذا الزعيق والضجيج، فان المعركة الحقيقية هي بين السلطة والقوى الديموقراطية. او بين السلطة والنظام الديموقراطي. اي ان التناقض السياسي الحقيقي هو كما عبّر عنه الدكتور احمد الخطيب في مقاله الاخير بين السلطة وبين دستور 1962.
بهذا الفهم يكون هناك معنى للمصالحة واسباب حقيقية لها. فهي مصالحة او في الواقع «مراجعة» مطلوبة من السلطة لموقفها من دستور 1962. فمشكلتنا الاساسية هي اننا نعاني ــ منذ اقرار الدستور بين التناقض الذي تشكل اسبابه اطراف قوية داخل الحكم ــ بين العقلية الديموقراطية وبين ذهنية ومفاهيم الحكم العشائري المتوارث منذ القدم.
هناك عداء، ولن نكون مخطئين ان وصفناه بالمتأصل بين النظام الديموقراطي، او بشكل مباشر بين دستور 1962 وبين العديد من الاطراف المؤثرة، سواء داخل الاسرة او داخل المجتمع. ومن اجل انهاء الارتباك ووقف التدهور، الذي مر ويمر به البلد اجتماعيا وسياسيا وحتى اقتصاديا، فإن المطلوب «مصالحة» بين هذه الاطراف مجتمعة، وبين دستور 1962. او بشكل اقرب الى الصحة مطلوب من هذه القوى «مراجعة» لموقفها من دستور 1962، وغني عن القول ان هذه المراجعة لن تتحقق بشكل ذاتي، ولكنها ستبقى نتيجة ضرورية لنضال ومبادرات القوى الوطنية الديموقراطية التي خبت منذ زمن.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *