عبداللطيف الدعيج

لا تعاقبوا الأبرياء

حاليا تطرح شركة مايكروسوفت نظام تشغيل جديداً، هو «وندوز 10». هذا النظام هو متوافر حاليا مجانا لأمد غير مسمى، عادة سنة او سنتين لكل من يرغب في تجربته. سبب طرح شركة مايكروسوفت نظامها مجانا للعامة من الناس، هو ان اي مهتم، ايا كانت قدراته التقنية، مدعو لتفحص النظام الجديد، واستكشاف مواطن القوة والضعف، الجودة او الخلل فيه. هذا يعني اختراق المواقع والاجهزة التي تستخدمه، ومحاولة اثبات او ايجاد اي هفوات او ثغرات في نظام التشغيل، تتيح في المستقبل للصوص والمجرمين والمخربين ايذاء من يستخدمه.
ايراد هذه الحقيقة هي للسادة معدي قانون مكافحة الجرائم الالكترونية، الذي ينوي مجلس الامة اقراره في القادم من ايام. هذا القانون الذي يعاقب، حسب مادته الثانية وما تليها من مواد، «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 6 اشهر، وبغرامة لا تزيد على 2000 دينار، ولا تقل عن 500 دينار، او بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب دخولا غير مشروع الى جهاز حاسب آلي او نظامه، او الى نظام معالجة الكترونية للبيانات، او الى نظام الكتروني مؤتمن او الى شبكة معلوماتية». لاحظ هنا ان العقوبة هي لكل «من ارتكب دخولا غير مشروع»، بمعنى ان الدخول سيعتبر جريمة بغض النظر عن توفر او عدم توفر القصد الجنائي. يعني كما بينا يوم امس سيعاقب من يدخل بهدف السرقة او التخريب تماما، مثل الفضولي الذي يريد اختبار قدراته، مثل ايضا من تقوده الصدفة الى الدخول. هذه الصدفة ليست مستبعدة، فنحن بطبيعتنا نهز كل باب مغلق للتأكد من إحكام اغلاقه.
سبب الشدة والنفس القمعي في القانون برأيي يعود اساسا الى موقفنا المناهض والمعادي للحرية. هذا الموقف متأصل ومتجذر في كل منا. سواء المواطن العادي او من يشرع ويقرر من المسؤولين. والسبب الثاني يعود ايضا الى اننا بعيدون عن العمل او الانتاج الخلاق. لهذا لن نكون بحاجة يوما الى «هاكرز» او افراد متطوعين لاختبار سلامة اجهزتنا وحسن تحصين مواقعنا.
لكن المفروض في القانون ان يكون للقادم من ايام وسنين. وللقادم من اجيال ايضا. ومن يدري فقد تتوافر للاجيال القادمة فرص افضل من فرصنا، وقدرات اكبر من قدراتنا، فيعملون وينتجون، وقد يبتكرون اشياء جديدة بحاجة الى الاستكشاف والاختبار. لهذا من المفروض ان يعاقب قانون مكافحة الجرائم على الجريمة، وعلى توافر القصد الجنائي، وليس على مجرد الفضول.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *