فؤاد الهاشم

«وما زال يضحكنا وهو في قبره»!

اشتكى لى صديق -وهو يضحك- من ان حفيده -وهو من مواليد 2009- يصر على مشاهدة كل فيلم لإسماعيل ياسين، ما اضطره لأن يشترى له جهاز عرض خاص مع حقيبة مليئة بأشرطة «سى-دى» لمعظم أفلام هذا الكوميديان..الراحل!!
إسماعيل ياسين مولود في شهر سبتمبر من عام 1912، أى قبل مولد حفيد صديقنا بـ97 سنة..فقط لا غير، فكيف استطاع ممثل مات في عام 1972، أن يؤثر على طفل ولد في عام 2009؟!!

كنت في التاسعة عشر من العمر حين قررت أنا وعدد من الأصدقاء أن نتوجه إلى بيروت في صيف عام 1971 من أجل السهر ليلاً في فندق «السان جورج» الفخم و«مغازلة البنات» في عاليه وبحمدون وفالوغا نهاراً!!
لبنان -في ذلك الزمن البعيد- كانت تزهو بحفلات «صباح» و«فيروز» و«وديع الصافى» في مهرجانات «بعلبك»، وحفلات «فريد الأطرش» و«فايزة أحمد» و«وردة الجزائرية» في منتزه «بيسين عاليه» في الجبل!!
كان هناك -أيضاً- مسرح «شوشو» وهو «إسماعيل ياسين اللبناني»، و«شارع الحمراء»، و«الكريزى-هورس» و..«جمال وطروب»، وكازينو «فريد الأطرش»، وشارع «كاركاس» الملئ بأماكن الأنس والفرفشه وما بين كل «بار» و«بار» يقع..«بار»!!
في ذلك الزمن، كان يسرح هناك كل ليلة طالب كويتي يدرس في الجامعة الأميركية، ودارت الأيام، فإذا هو الآن «داعية إسلامى..لحيته أطول من شعر أحلام» ويدعو الناس لمكارم..الأخلاق!!
خرجنا -«وش الصبح» من فندق «السانجورج» متجهين إلى حيث سكنانا في بحمدون، لكننا شعرنا بالجوع، فقررنا أن يكون الإفطار «بيروتياً خالصاً»، أى..«فول بالزيت والطماطم،ومناقيش بالزعتر، وفلافل بالسمسم، وعرايس باللبنه»، ومن مطعم شعبي حيث يضع على مائدتك «خيار مخلل وطرشي» أكثر من الإفطار ذاته، وكل ذلك لا يتحقق إلا في أهم موقع في بيروت -قديماً- وهو «ساحة البرج»!!
هذه الساحة أشبه بساحة الصفاة لكنها محاطه بالمطاعم والمحلات من كل صوب، وتزينها أشجار نخيل وصنوبر من كل شكل، توقفنا عند مطعم صغير يقع على زاوية الساحة، كنا نقصده بعد أن سمعنا عن صاحبه لاعن..جودة طعامه!
كان يملكه الفنان الراحل الكوميديان الكبير الذى عشقه طفل صغير من مواليد 2009، وهو «إسماعيل ياسين»!!
عاش أواخر أيامه في فقر مدقع، بعد أن طاردته الضرائب المصرية فاضطر إلى الهرب والرحيل إلى لبنان حيث عمل في العديد من الأفلام اللبنانية «الهابطه» وحتى شارك في أفلام تركية مع الراحل الكوميديان -رفيق عمره- «عبدالسلام النابلسى» والذى مات هو الآخر معدماً بعد أن أفلس بنك «إنترا» اللبنانى الذى كان قد أودع لديه تحويشة العمر!!
كل ليرة تأتيه من أفلامه اللبنانية تلك يرسلها لتسديد ما عليه من ديون للضرائب في مصر حتى يستطيع العودة إلى بلده ليموت في أرضها -كما قال في عدة لقاءات صحافيه- وحين ضاق به الحال كثيراً افتتح مطعماً «للفول والفلافل والمناقيش» في ساحة البرج..تلك!!
وجدناه جالساً على كرسى أمام المحل، حين عرف اننا من الكويت رحب كثيراً وصار يكيل المديح للكويت وأهلها وأدهشنا انه شكر الأمير الراحل «جابر الأحمد» وقال إنه زار الكويت بدعوة من وزارة الإعلام التى كان على رأسها الراحل الشيخ جابر العلى، وقام بتسجيل كل منولوجاته وأغانيه لتلفزيون الكويت والتى تجاوز عددها الخمسمائة مونولوج، لكن صحته خذلته وشعر بتعب شديد، وما ان علم الأمير الراحل الشيخ «جابر الأحمد» وكان وقتها ولياً للعهد في عام 1968 حتى أمر بإرساله على نفقه الكويت للعلاج في لندن!
يكمل «إسماعيل ياسين» حكايته قائلاً: بعد عودتى بالسلامة إلى مصر، قررت أن أتوجه للكويت لأشكر الشيخ جابر شخصياً وحدث ذلك فسألته: «لماذا فعلت معى كل هذا الفعل الطيب؟! وفاجأنى الشيخ برد لم أستطع أن أنساه إلى يومنا هذا حين قال لى: لقد أضحكتنا وأسعدتنا لسنوات عديدة، فهل نبخل عليك برد الجميل ونحن نرى دموعك بسبب آلام المرض»؟!
رحم الله أمير القلوب، ورحم الله ذلك الفنان الذى يستمر في إضحاكنا وإمتاعنا جيلاً بعد جيلاً وهو في جوف قبره!

***

أتمنى على وزير المواصلات والبلدية الأخ «عيسى الكندري» أن يقيم حفل تكريم وتسليم درع لمدير البلدية السيد «أحمد الصبيح» مع قرار بإحالته للتقاعد، إذ يحق لهذا الرجل المخلص أن يخلد للراحة بعد هذا المشوار الطويل في العمل، ومن واجب الوزير أن يقدم له كل الشكر والتقدير على مجهوداته تلك، فهذه هى سنة الحياة، تيمناً بمقولة الأقدمين: «زرعوا فأكلنا، ونزرع..فيأكلون»!

***

كويتيان اثنان -على ما أذكر- مازالا في سجون إيران منذ سنوات، ومنا إلى معالى وزير الخارجية!!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *