عبداللطيف الدعيج

في الدول المكتملة النمو

في الدول المكتملة النمو، التي نسميها عادة بالدول الراقية. تتولى هناك الحكم او قيادة وادارة المجتمع مؤسساته المدنية والرسمية. اي ان الادارة هناك جماعية، تتعاون ويكمل بعضها بعضا. عندنا لم يكتمل بعد نمو مؤسسات المجتمع المدنية او الرسمية. لهذا نحن نعتمد بشكل كبير على الافراد. وننتظر من القياديين ومن تصدوا لشؤون الادارة ان يتولوا وحدهم انجاز المطلوب من اعمال. من هنا وبقوة الواقع «المريض» – وليس بالضرورة سعيا مقصودا من احد – يتم تأليه الافراد وتعظيم شأنهم وإلصاق كل انجاز، جماعيا كان او فرديا، بهم. اما الاخفاق فانه يتم التغاضي عنه بوصفه امرا محتما او نتيجة تدخل عوامل اجنبية عدوانية، عادة الاستعمار والامبريالية، التي هي خارج سيطرة القائد الملهم.

عندنا في الكويت بعض من الديموقراطية، اي اننا بين بين. يجاهد بعضنا من اجل تعزيز دور المؤسسات المدنية بينما يسعى البعض الآخر وبقوة الى تدمير هذه المؤسسات والانتقاص من اختصاصاتها وخنق وتعطيل ما هو في بداية او طور النمو منها. وطبعا يلجأ كل طرف لتعزيز وسائله واستخدام المتاح من اسلحته الاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية لتحقيق غاياته.

الغاء دور مؤسسات المجتمع المدنية والرسمية يتطلب او هو يؤدي الى تعزيز دور الافراد. في المقابل فان تعزيز دورالافراد يؤدي بالضرورة الى اضعاف المؤسسات المدنية والى تقليص مساهماتها في الادارة والتوجيه. لهذا فان الاطراف المعنية بـ«الحفاظ» على الاوضاع. ونعني هنا في الغالب القوى والمجاميع والبنى الاجتماعية وليس بالضرورة مؤسسات السلطة. هذه الاطراف المعنية بالحفاظ على ما هو واقع تسعى بهمة واصرار الى تأليه القادة، وإضفاء ادوار وصفات الاعجاز عليهم. او تسعى ايضا الى تقديس ورعاية ما فات سواء، افرادا او عقيدة او حتى خرافات، من اجل إضعاف الحاضر ومحاصرة المستقبل.

التأليه والتفخيم لا يشمل الاحياء فقط. بل يمتد بشكل اساسي الى من توفاه الله. حيث تجري المبالغة الواضحة والمقصودة في الحزن للتأكيد على حجم وهول الفاجعة. فتعطل مؤسسات الدولة وتوقف الدراسة ويمنع الفرح ويفرض الحزن والاسى – في الغالب- بقوة القانون على الجميع.

في الدول الراقية، اي مكتملة النمو. يودع القادة بهدوء وباستجابة طبيعية وعادية للقدر. فالقائد مثل غيره يحيا ويموت. وما اختطه من سياسة وما حققه او ما بدأه من انجاز امانة تحافظ عليها وتواصل بناءها مؤسسات الدولة والمجتمع المدنية.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *