سعيد محمد سعيد

في غرف «العالم الأسود»

 

بعيداً عن صخب الويلات ووجع الأزمة وآلام البلد وضراوة النار في الإقليم والوضع المقلق كله من كل اتجاهاته، سأكتب اليوم بضع قصص… هذه القصص، قد يتفق معي الكثيرون في أنها (كارثة) مدمرة للكثير من الأسر… فلايزال البعض يؤمن بالودع و(ضرب الفال) والشعوذة… بالطبع، في مجتمع يُفترض فيه الوعي… لنقرأ بعض تلك القصص:

* يعترف الشاب (ج) بأنه ارتكب خطأً شنيعاً في حياته عندما اتجه إلى أحد المشعوذين ليخلصه مما يعاني من بلاء! فهذا الشاب المتزوج والأب لطفل في الخامسة من عمره، يعاني من ظواهر غريبة كما يقول، فالنحس يلاحقه في كل مكان، كما أنه في السنوات الأخيرة بدأ يلاحظ تغيرات مفاجئة في جسده منها ظهور الندوب وانتفاخ البطن الشديد وعدم القدرة على الإبصار في بعض الأحيان، ورغم مراجعة للأطباء، إلا أنه لم يحصل على الفائدة المرجوة، فقرر، بعد أن نصحه أحد معارفه بالذهاب إلى أحد الرقاة الشرعيين، أن يبحث عن الأمل في تخليصه مما هو فيه.

يقول: “ذهبتُ إلى منزل الرجل، وكان في المجلس الرجالي عدد من المرضى من الصغار والشباب وكبار السن، فيما جلست بعض النسوة في المجلس المخصص للنساء، وعندما جاء دوري، أخبرته بما ألمّ بي، وبعد قيامه ببعض الطقوس، أبلغني بأن معاناتي كلها بسبب تلبس الجن بي، ولابد من تخليصي من الجن حتى أعود إلى حياتي الطبيعية”.

وفي شدة يأسي، سلمت نفسي للرجل الذي ملأ رأسي بالكثير من الأمور المخيفة والمقلقة، وكنت في كل مرة أدفع مبلغاً يتراوح بين عشرين إلى أربعين ديناراً، وطلب مني من ضمن ما طلب أن أحصل على رأس أفعى وأضعه في قطعة قماش وأعلقه على كتفي الأيمن، ووجدت صعوبة في البحث عما طلب، لكن النتيجة التي اكتشفتها، هي أنني لم أتسلح بالصبر والتوكل على الله سبحانه وتعالى، وتوجهت إلى طريق خاطئ قلب حياتي جحيماً حيث أصبحت نفسيتي سيئة للغاية، حتى وجدت المساعدة من أحد الإخوة الذي أعاد إليّ ثقتي بنفسي وراجع معي خطواتي وخصوصاً في التوجه إلى الأطباء المتخصصين وعدم اليأس من العلاج، وأنا الآن ولله الحمد في تحسن مستمر بعد أن أيقنت بأن أولئك المشعوذين ليسوا سوى مجموعة من الدجالين الذين يضحكون على خلق الله، بل وتقدمت بشكوى ضده لدى الشرطة، وتبيّن أن هناك بعض الناس من تقدم بشكوى ضده ليتم القبض عليه.

* التخلص من الملابس في البحر: أما قصة الشاب (م) فهي لا تختلف غرابة عن سابقتها، فبعد أن نشبت الخلافات بينه وبين خطيبته، وتضاعفت يوماً بعد يوم، توجه إلى أحد المشعوذين الذين يدعي الرقية الشرعية، وأبلغه بأنه مصاب بالحسد والمس من الجن في آنٍ واحد، ومن ضمن الوصفات الغريبة التي عرضها عليه، أن يتجه إلى البحر فجراً، ويخلع ملابسه هناك ثم يرتدي غيرها ويعود إلى الساحل دون أن ينظر خلفه… أي ألا ينظر إلى الملابس التي تخلص منها، ومع ذلك… فعل الشاب ما أمره الرجل، لكن الأمور لم تتغير! وبقية تلك الخلافات مستمرة حتى مع تدخل الأهل، وبعد أن منَّ الله سبحانه وتعالى عليه بمولوده الأول، تغيرت حياته كثيراً وصار يعيش مع زوجته في أفضل حال.

* تجرأتُ… وفتحتُ الطلسم: كنت أشعر بآلام شديدة وتيبُّس في ذراعي الأيسر، ورغم العلاجات المتنوعة ومراجعة الأطباء في البحرين وخارجها، لم أتحسن، فتوجهت إلى أحد الرقاة الشرعيين، وبدأ يقرأ عليّ في كل جلسة بعض الآيات القرآنية الكريمة وبعد الأذكار، وبالفعل شعرت بتحسن كبير، لكن ذلك الراقي لم يكن من البحرين بل جاء لفترة محددة وغادر، ووجدت في قرارة نفسي أن مثل هؤلاء الناس لديهم قدرات خاصة، حتى أنني توجهت إلى أحدهم بعد أن صرت أعيش في خلاف دائم مع زوجي وعيالي، وكنت أعتقد أن الناس الذين ينصحون بالتوجه إلى فلان أو فلان، ما قالوا ذلك إلا بعد أن برهنت لهم تجربتهم صحة ما يعتقدون، فتوجهت إلى أحد الرقاة، وكان يعطيني في كل مرة (أحجبة) ملفوفة في قطع من القماش، واحدة في رقبتي وأخرى في ذراعي وثالثة في حقيبة يدي، وكلما مرت الأيام، كانت أحوالي تزداد سوءاً (تستدرك)… ذلك الرجل حذرني من فتح تلك الطلاسم، لكنني تشجعت ذات ليلة رغم الخوف، وفتحت إحداها لأجد رموزاً غريبة ورسومات وخطوط وأحرف وأرقام… فأخبرت شقيقتي بذلك فغضبت مني ووبَّختني لأنني الإنسانة المؤمنة بقضاء الله وقدره، قد سلكت هذا الطريق، في حين أن الحل يتطلب تفاهماً بين أفراد الأسرة بمحبة وود لحل المشاكل، وأحمد الله أنني تجاوزت هذه المرحلة وصرت أنصح الناس بعدم التوجه إلى هؤلاء البشر، وإذا كان الراقي الشرعي معروفاً وموثوقاً فلا بأس في حال شهرته في الرقية الشرعية وعلمه.

انتهت طائفة القصص، لكن، لربما لديّ ولدى القراء الكثير منها… والأخطر من ذلك كله، أن بعض الناس، تتفاوت مستويات تعليمهم، لايزالون يؤمنون بأثر غرف الشعوذة السوداء المظلمة… يا جماعة، الخروج من ذلك العالم الأسود بالتوكل على الله والابتسام للحياة قد ينقذ الكثيرين مما هم فيه… فأهل الشعوذة ليسوا سوى (منجمون كذابون).

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *