سامي النصف

فلسطين.. هتلر لا بلفور!

لم أزر معرض كتاب عربيا- وآخر معرض زرته معرض الكتاب قبل أيام في الأردن- إلا وجدت دور النشر العربية وقد أصدرت العديد من نسخ كتاب «كفاحي» وعلى الغلاف صورة الطاغية هتلر بلبسه العسكري، وكيف لأمة تشتكي الظلم والقمع والإبادة ان ترفع صور من كان يبيد الشعوب على الهوية وتسببت حروبه في قتل 50 مليون إنسان وإنشاء دولة إسرائيل.

***

يقول ديفيد لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا الليبرالي إبان إصدار وعد بلفور، وهو للعلم ليس إنجليزيا بل من ويلز وكانت الإنجليزية لغته الثانية، في شهادته أمام اللجنة الملكية البريطانية عام 1937 انهم لم يقصدوا من وعد بلفور إنشاء دولة مستقلة (STATE) لليهود، بل وطن قومي (Home Land) ضمن الكومنولث البريطاني، بل لم يكن الأمر يزيد على «إعلان دعائي» قصد منه كسب دعم الجاليات اليهودية المؤثرة في أميركا وروسيا وحتى ألمانيا ومنع انحيازها لدول المحور، خاصة ان كفتي الحرب كانتا متكافئتين ومتعادلتين، وكان هناك من يطالب بإنهائها على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، وأي ثقل حتى لو كان صغيرا سيرجح كفة على أخرى.

وهذا ما يؤكده كذلك رئيس الوزراء العمالي الشهير كليمنت اتلي (1945ـ1951) الذي احرز انتصارا باهرا على تشرشل فور انتهاء الحرب الكونية الثانية، حيث يقول نصا في لقاء مع الكاتب فرانسيس ويليامز عام 1961 وضمن الترجمة العربية للكتاب ص128 «لم يكن قصدنا من وعد بلفور إنشاء دولة إسرائيل بقدر ما كنا نرى إعطاءهم مكانا يلجأون اليه»، وما لا يعرفه العرب ان اتلي ووزير خارجيته النقابي اليساري الشهير ارنست بيفن وقفا مع العرب عامي 1947 و1948 أمام ضغوط الرئيس الديموقراطي الأميركي ترومان، لذا قامت الميليشيات الصهيونية بمحاربة وقتل الانجليز وتفجير فندق الملك داود بالقدس مقر قيادتهم، وكان المفتي أمين الحسيني يقوم بالشيء ذاته!

***

ان الذين حولوا ذلك الوعد الدعائي- الذي أصدر وزير الخارجية البريطاني المحب للعرب انتوني ايدن مثله عام 1942 دون تأثير- الى دولة مستقلة لليهود «State Of Israel» هم بالدرجة الأولى من قاموا باضطهاد اليهود في أوروبا وعلى رأسهم قياصرة روسيا وزعماء الفاشية والنازية وأولهم هتلر، ثم يأتي جهد اليهود وبشكل موازٍ اخطاء الفلسطينيين والعرب ممن كانوا ومازالوا يحكمون العواطف والاهواء لا العقل والحقائق في قراراتهم المصيرية، فتنتهي الامور في كل مرة بكوارث دامية دون تعلم مما يجري ومن ثم تكرارها.

***

آخر محطة: 1 ـ في منتدى ثقافي بالكويت قدمت إعلامية سورية صورا مريعة التقطتها لاماكن مختلفة في سورية هي أقرب لما حدث لألمانيا وپولندا وغيرهما إبان الحرب العالمية الثانية.

المزعج والغريب ان الاعلامية اظهرت في مقدمة الشريط صورا لهتلر وكلمات تثني على ما فعله! وكان تعقيبي لها كيف تشتكين مما يحدث لكم وانت تثنين وتمدحين من قام بالفعل ذاته تجاه الآخرين؟!

2 ـ الكثير من المناظر المروعة المتعدية على ابسط حقوق الانسان القادمة من منطقتنا، والتي تظهر على اليوتيوب، يطرح تساؤلا عما كان سيحدث لو كان الضحية هو الجلاد والجلاد هو الضحية، اي هل سيرأف ويرحم أم سيبقى الظلم والعنف وسفك الدم واحدا مع تغيير المواقع؟!

3 ـ لم نكتفِ كعرب بإعادة تصدير ثقافة الانقسام والانشطار للبريطانيين، بل صدرنا الطائفية معها، فسبب بقاء إسكتلندا ضمن المملكة المتحدة هو حقيقة تصويت الاغلبية البروتستانتية الاسكتلندية مع توجهها الطائفي والروحي المرتبط بالكنيسة البريطانية ومن ثم رفض الانفصال، بينما صوت الكاثوليك الاسكتلنديين وهم الاقلية ذات اصول ايرلندية في الاغلب مع الانفصال لان مرجعيتهم الروحية والدينية في روما لا في لندن.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *