محمد الوشيحي

قلمات

خدعونا فقالوا في الأفلام العربية وفي مجالس كبار السن: “المدينة تقتل القيم النبيلة، والتطور يقتل الأصالة”، وهي دعوة غير مباشرة إلى العودة إلى حياة الماضي.
وبنظرة سريعة على مجتمعات الدول المتطورة؛ اليابان، هولندا، نيوزيلندا، السويد، النرويج، وغيرها… نجد أن القيم النبيلة في حدها الأعلى، بينما في العالم العربي المتخلف، والإفريقي المهترئ، تكاد تنضم القيم إلى “الباندا” في قائمة “على وشك الانقراض”.
دع عنك الدراسات والتحليلات، وقس بنفسك، واستفتِ عقلك، وامسك “الصدق”، مثلاً، واسأل نفسك: “أي الشعوب أكثر صدقاً من غيرها؟”، ثم امسك “الرحمة” أو “الإنسانية”، واسأل نفسك: “ما هي جنسية التلاميذ وأستاذهم الذين حلقوا رؤوسهم تعاطفاً مع زميلهم المصاب بالسرطان؟ وأي نادٍ رياضي حضر جمهوره من مدن عدة، تاركاً أعماله خلفه، وملأ مدرجات كرة القدم، في يومٍ لا مباراة فيه، وهتف الجمهور طوال الوقت تحية لرجل أنهكه السرطان، فأصبح قاب قوسين أو أدنى من الموت، وطلب أن يشاهد فريقه المفضل قبل أن يموت؟”، اسأل نفسك، هل كان ذلك سيحدث في الدول المتخلفة، التي شُوّهت أخلاقها بفعل فاعل؟
ثم اسأل نفسك عن اختفاء بعض القيم: “أي الشعوب تخلصت من العصبية العرقية والطائفية والعائلية؟ شعوب الدول المتطورة أم شعوب الدول المتخلفة؟”، و”أي الشعوب تنتشر فيها الرشوة وأيها تكاد تنقرض فيها؟”.
أمثلة كثيرة أثبتت أن ما كان يقال لنا لا يعدو كونه هراءً مغلفاً بأكاذيب.

* * *

قرأت في هذا الجورنال عن نية السلطات في الكويت سن قانون يلزم المسؤولين كشف ذممهم المالية، ويقدر عددهم بنحو سبعة آلاف مسؤول لا يُساءل.
قرأت الخبر فضحكت، ثم عطست، ثم سعلت، ثم بكيت، ليس على شيء إلا على كمية الحبر المسكوب، وعلى التعب الذي أنهك أصابع الزملاء أثناء كتابة الخبر، وعلى درجة “البجاحة” التي وصلنا إليها.
لكنني تذكرت أن مثل هذه التصريحات تفتح أبواب رزق، من دون قصد، لكثير من البسطاء… فهنا محرر يصوغ مثل هذه الأخبار، وهنا طباع، وهناك قسم بموظفيه، في هذه الوزارة وتلك، هو المسؤول عن نشر مثل هذه التصريحات، وإرسالها إلى وسائل الإعلام، وهناك قارئ نشرة أخبار، ووو…
تذكرت ذلك فهدأت نفسي، وانقطع السعال والعطس والبكاء.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *