محمد الوشيحي

اكشفوا أسراركم لنسائكم

قالوا عن المرأة: «لا تحفظ الأسرار»، وقال مثل عربي تائه: «لو أعطيت سرك امرأة خرساء نطقت في الحال»، وغاص مثل آخر في الوقاحة فتجنى: «الببغاوات أكثر حفظاً للأسرار من النساء».
وفي الكويت «شاي الضحى» يكشف المستور ويفتح أقفال الصدور، و»شاي الضحى» – أقول ذلك لغير الخليجيين – هو تجمع يومي لنساء المنطقة يفرغن فيه طاقاتهن الكامنة، وطاقة المرأة العربية في لسانها، نسأل الله العافية، فيتحدثن عن رجالهن، ويكشفن ما لا يُكشف، ويفضحن ما لا يجب أن يُفضح. وأكثر المستفيدين من جلسات شاي الضحى هو «المأذون» وعقود الطلاق ومشعوذو «الزيت المقري عليه» وكتاتة الفال «العرّافة».
وفي لبنان «صبحية»، وينطقنها «صبحيي»، والصبحية هي الترجمة اللبنانية لشاي الضحى، لكنهن في لبنان يغصن أكثر في الأعماق، فيتحدثن أول ما يتحدثن عن أسرار فراش الزوجية، وعن كرم الزوج وبخله، وعن «شفاف» أي شفاه كريستينا، وجسم كارول. وأكثر المستفيدين من الصبحيات هم أطباء التجميل ومحلات الماركات العالمية.
أما في مصر فالبلكونة لديها الحل، فتتحدث إحداهن إلى جارتها من البلكونة إلى البلكونة، ومن القلب إلى القلب، و»معرفتيش يا أم سعدية، مش جوزي أبو شحتة المنيّل اترمى جنبي امبارح زي القتيل»، ويصبح الأستاذ الفاضل أبو شحتة حديث المدينة، ويعرف أسراره كل من يمر من تحت البلكونة، وتتحدث نشرات الأخبار عما فعله «امبارح» عندما اترمى زي القتيل. على أن المستفيد الأكبر من حديث البلكونة في مصر هو بائع الكوسا والبامية.
لذا ومن أجل ذا تواصى الرجال العرب من دون ميثاق مكتوب على أن يخبئوا أسرارهم عن نسائهم، بل حتى الرجال الأجانب المرتبطون بنساء عربيات فعلوا ذلك، فها هو زعيم إحدى العصابات الإيطالية «سلفاتور دافينو» يهرب من شرطة بلاده وشرطة الاتحاد الأوروبي، بعد أن انكشف أمره وأصبح مطلوباً للسجن بأكثر من عشرين عاماً لارتباطه بجرائم ترويج المخدرات وحرب العصابات المنظمة، ويلجأ إلى إحدى دول الخليج الأطلسي، المملكة المغربية، فيقيم في إحدى مدنها متنكراً، ويعشق مغربية، ويقيمان معاً، وتظهر ملامح الحمل على بطنها، ووو…
ولأن صاحبنا «دافينو» رجل إيطالي، ولأن الطليان يشابهون العربان في نواح عدة، فإيطاليا من أكثر الدول الأوروبية فساداً، ثم إن رئيس وزرائهم هو برلسكوني، وهو النسخة الأوروبية من القذافي، إضافة إلى أن الرجل الإيطالي معروف بـ«القرقة» – أي الحديث الذي لا ينقطع – والفوضوية، وكلها صفات لا تجدها عند الإسكندنافي ولا البريطاني ولا الألماني ولا غيرهم من الأوروبيين… المهم، لأن «دافينو» إيطالي فقد قرر دفن سره وماضيه بعيداً عن عشيقته المغربية، باعتبار الأسرار لا تُعطى للنساء، فقامت عشيقته، سلمها الله، بنشر صورهما معاً أثناء تنقلهما في ماربيا الإسبانية وفي بقية مناطق المغرب على «فيس بوك»، فتناقلتها صديقاتها الإسبانيات والفرنسيات والطليانيات، بحسن نية، فوصلت الصور إلى مسؤولي الأمن في الاتحاد الأوروبي، فتتبعوا «دافينو» وقبضوا عليه.
هذا ما نشرته صحيفة «تلغراف» البريطانية يوم الخميس الماضي، وتوسعت فيه مواقع الإنترنت، وبهذا تثبت الأمثال التي تحذر الرجال من إفشاء أسرارهم أمام النساء خطأها، إذ لو كانت الشابة المغربية مطلعة على أسرار عشيقها لوضعت كفها على فمها وصمتت صمتاً يعمي الآذان، على رأي يوسف إدريس.
فيا أيها الرجل العربي «هلّ علومك» لامرأتك، وافرش منديلك، وراجع أمثالك الشعبية، فقد ثبت خطؤها.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *